الصراع الانجليزي الفرنسي على مصر
بقلم- هدى الشناوي الصباح العربي
مصر كانت كغيرها من بلاد العالم الإسلامي التي كانت تحكمها الدولة العثمانية..ثم قام الفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت بحملتهم على مصر عام 1798م ، بعد أن مهدوا لذلك بإرسال الجواسيس الذين يدرسون وضع البلاد ومدى قابليته للاحتلال . ولكنهم لم يفلحوا في البقاء فيها سوى 3 سنوات نظرا لاتحاد أهل البلاد ضدهم،و كرر الإنجليز ما قام به الفرنسيون. .فأرسلوا حملة عسكرية بقيادة فريزر لاحتلال مصر؛ لكنها باءت بالفشل أيضا و استمر العثمانيون يحكمون مصر من خلال الولاة الذين يعينونهم واحدا تلو الأخر، ولكن الشعب المصري لا يرتضيهم لظلمهم وتعسفهم.
و إلى أن تم تعيين (محمد علي باشا) واليا على مصر بعد أختارة الشعب مشترطين علية ان يحكم بالعدل واستغل محمد علي الفرصة ولم يفوتها ، فحكم البلاد ، مبتدأً حكمه بمذبحة شنيعة لبقايا ....المماليك .... ، الذين كانوا ينافسونه .و انشغل ( محمد علي ) بالأمور العسكرية في تحقيق حلمة لتكوين جيش قوي إلي أن هلك محمد علي باشا عام (1849م ) .
و تولى الحكم بعده حفيدة: عباس بن طوسون بن محمد علي ( من عام 1848م إلى 1854م ). ثم جاء بعده سعيد بن محمد علي ( من1854 إلى 1864). وفي عهده: تم منح امتياز شق قناة السويس لصديقه المهندس الفرنسي ديليسيبس .. وفي عهده أيضا بدأت مشكلة الديون حيث بدأ يستدين من الغرب بفوائد ربوية لينجز قناة السويس وغيرها من الأعمال المرهقة لميزانية البلاد دون فائدة كبيرة تجنى منها .و جاء بعده: الخديوي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي(من1863 إلى 1879م).وفي عهده افتتحت قناة السويس، وتضخمت الديون التي كان يستدينها لينفقها بإسراف على أمور شكلية أولافائدة منها للبلاد ... مما اضطره لبيع نصيب مصر من القناة للإنجليز ..
وفي عهده بدأ تدخل الدول الأوربية في البلاد بشكل سافر بدعوى حماية حقوقها المالية..... إلى أن وصل الحال إلى فرض وزيرين أوروبيين ضمن تشكيلة الوزراء ..
و تدفق الأجانب في عهده على مصر ، وإقامة محاكم خاصة بهم .
و كان رئيس الوزراء في عهد إسماعيل : نوبار باشا الذي كانت ميوله وعواطفه إلى جانب بريطانيا.
و تولى الحكم بعده ابنه الخديوي توفيق (1879-1892م) الذي أحس الشعب بأستبداديتة منذ اللحظة الأولي و كان وزير الحربية في عهد توفيق : (عثمان رفقي)، وهو شركسي متعصب قام بعدة أعمال ظالمة ضد الجنود والضباط المصريين؛ كمنعهم من الترقيات وغيرها.
وهذا ما دفع بأحمد عرابي (وهو أحد المتأثرين بدعوة الأفغاني ومحمد عبده) أن يثور ضد هذا الظلم ويطالب بإقالة عثمان رفقي . فاستجيبت مطالبه بعد عدة أحداث ومنازعات.
و كان الإنجليز و الفرنسيون يراقبون الأحداث بسعادة وسرور وكانوا يشجعون عرابي في الخفاء علي أن يمضي في طريق "الإصلاح"، ولا يخشي أحدا وقد
أرسل قنصل فرنسا إلى أحمد عرابي وإخوانه يقول لهم: إنه يسره ما يراه من صلابتهم وعزيمتهم، واشتدادهم في المطالبة بالعدل، فعليهم أن يثبتوا في مطالبهم ولا يُضعفهم ما يهددون به) ...
و( أرسل إلى عرابي أيضا كتابا يمدحه فيه على ثباته، ويشجعه على عدم المبالاة بالحكومة ).
و رأت إنجلترا و فرنسا أن تشكيل مجلس النواب يمثل خطورة علي مصالحهما، لأن قيام مجلس نظام برلماني سوف يجعل من التدخل الأوروبي أمرا صعبا، علي حين أن نظام الحكم المطلق يسهل أمور التدخل. و علي هذا أرسلت الدولتان مذكرة مشتركة في 7 يناير 1882 م توحي كلماتها بالاستياء من قيام نظام برلماني في مصر، و تذكر صراحة أن هذه الأحداث توجب التدخل لحماية العرش الخديوي. و بالطبع رفض شريف باشا المذكرة و احتج لدي القنصلين الانجليزي
و الفرنسي علي المذكرة.
و لما لم تتمكن الدولتان من إلغاء مجلس النواب، طلبتا ألا تتضمن لائحة المجلس مناقشة الميزانية و إقرارها، لأنها أمور تتعلق بالديون. و تحرج موقف شريف باشا، و عرض علي النواب تأجيل النظر في الميزانية حتي يفوت الفرصة علي تدخل الدولتين ، غير أن العرابيين تشبثوا بحق المجلس في إقرار الميزانية باعتبار أن ذلك حق من حقوق الأمة الممثلة في المجلس المنتخب.
و أمام إصرار الطرفين علي موقفيهما من مناقشة الميزانية، استقال شريف باشا و تألفت وزارة برئاسة البارودي الذي عين أحمد عرابي وزيرا للحربية.
و بادرت الوزارة بإعلان الدستور في 7 فبراير 1882 م و إقرار حق المجلس في مناقشة الميزانية ، و هنا أحتج الرقيبان الفرنسي و الإنجليزي و طالبا قنصليهما بالتصرف.و شعر القنصلان أن الحالة تنذر بخلع الخديوي توفيق ، و نسب إلي العرابيين أنهم كانوا يسعون إلي خلع توفيق و تعيين الأمير حليم بدلا منه.
فقامت انجلترا و فرنسا بارسال قطع بحرية علي الشواطئ المصرية في 19 مايو 1882 م بحجة حماية الرعايا الأجانب إذا ما تعرضوا للخطر بسبب الأزمة القائمة.
و أرسلت الدولتان مذكرة تطلبان فيها استقالة البارودي و خروج أحمد عرابي من مصر . فرفضها البارودي و أقسم مع العرابيين يمين الدفاع عن البلاد و الولاء للثورة .فما كان من الخديوي توفيق إلا أن قبل المذكرة فاستقال البارودي احتجاجا.
و قام توفيق بتشكيل وزارة برئاسته.
و بدأت انجلترا تتحين الفرصة لدخول مصر، و جاءت الفرصة يوم 11 يونية 1882 م في شجار ملفق قام بين رجل ملطي من الرعايا الأجانب و مكاري ( عربجي) مصري علي الأجرة ، فقام المالطي بطعن المصري طعنة قاتلة، فتطور الأمر إلي معارك متبادلة بين الأجانب و المصريين. و قام الأجانب بالتجمع في أماكن واحدة و التحصن بها....وكانت أيضا من خلال جاسوسها المدعو: {{بلنت}} الذي كان يقلب الناس على الحكم، ويراسل عرابي ويستحثه على مواصلة الضغط على الحكومة لعلها تستجيب لمطالب ......الإصلاح..... ، وكان هدفه الحقيقي فصل مصر عن الدولة العثمانية تمهيدا لاحتلالها .
و أحس الخديوي توفيق بالخطر فلجأ إلى الإسكندرية طالبا من الإنجليز المتربصين بسفنهم في البحر حماية عرشه .. مع ضغطه هو والإنجليز على السلطان العثماني لإصدار منشور في عصيان عرابي ... لكي ينفض الناس عنه
ثم افتعل الإنجليز مذبحة للأقباط في الإسكندرية ليتخذوها ذريعة لاحتلالها عام (1882م) بدعوى حماية رعاياهم ...و قبل أن تتم المصالحة بين عرابي والدولة العثمانية .....وأيضا تعاون المنافقون الخونة من أبناء مصر مع الإنجليز ، ومكنوا لهم من احتلال البلاد مقابل الرشوة ..
و لم يستجب عرابي للناصحين الذين حثوه على سد قناة السويس لكي لا يتسلل منها الإنجليز إلى عمق الأراضي المصرية منخدعا بتطمينات المهندس الفرنسي صاحب امتياز القناة .
كل هذه المقدمة كان لابد منها للتذكره بكل الأحداث السابقة كي نعلم جميعا لماذا وكيف احتلت انجلترا مصر وبالحجة التي دبرتها لمصر ؟
... يعتبر يوم الثلاثاء الموافق الحادى عشر من يوليو سنة 1882م من الايام المشهودة فى مصر بوجه عام وعلى الإسكندرية بوجه خاص إذ شهد هذا اليوم قيام بوارج الأسطول البحرى البريطانى بالعدوان على الإسكندرية وضربت بمدافعها حصونها المختلفة وفى هذا اليوم المشهود قام الجيش المصرى بواجبه فى الدفاع عنها بكل بسالة وشجاعة وسانده شعب الإسكندرية بكل طاقاته وإمكاناته .وكانت مصر تشهد قيام الثورة العرابية التي كانت تعبر عن رغبة الجيش والشعب فى التخلص من الظلم والاستبداد والتدخل الاجنبي فى شئون البلاد وكانت الإسكندرية لها موقف حازم فى تأييد الثورة العرابية بكل ما كانت تعبر وعندما زاد الخلاف بين الوزارة المصرية والخديوي توفيق اعتبرت انجلترا وفرنسا هذا العمل تهديدا لمصالحها الحيوية بمصر وقررتا ارسال اسطولهما الى الاسكندرية على اثر ما بلغهما من اشتداد الخلاف الذى اعتبر من جانبهما ثورة من قبل العرابيين تستدعى التدخل وقررتا التدخل العسكرى على ان ترسل كل منهما ست بوارج الى ميناء الإسكندرية وقد ادى تتابع دخول البوارج الانجليزية الى الاسكندرية الى قلق الراى العام المصري وقد دخلت الى الاسكندرية فى يوم الجمعة التاسع عشر من مايو 1882م وما ان استقرت الدولتين على الاسكندرية واخذتا تتدخلان تدخلا سافرا فى شئون البلاد .
كان من الطبيعى ان تقوم مظاهرات عديدة حتى حدثت مذبحة الإسكندرية التى عانى فيها الاجانب وسكانها على السواء وكثر القتلى من الجانبين وبلغ عدد القتلى والجرحى 49 قتيلا منهم38 اجانب و11 من الوطنيين وعدد الجرحى 71 منهم 38 من الاجانب و33 من الوطنيين ادى هذا الحادث الى استياء العرابيين لأنه منح انجلترا وفرنسا فرصة للتدخل فى شئون البلاد بحجة حماية ممتلكات رعاياهما وفى اواخر مايو 1882م بدأت انجلترا تعلن عن نيتها الانفراد بالتصرف فى شئون مصر وبدأت فى حشد القطع البحرية بناء على طلب قائد اسطولها .
وفى 4 يوليو 1882م ارسل الاميرال سيمور الى الاميرالية البريطانية برقية يقول فيها انه سيبدأ فى ضرب الاسكندرية بعد اربعة وعشرون ساعة ما لم تسلم الى الحصون القائمة فى شبه جزيرة رأس التين والحصون المشرفة على مدخل الميناء "
وكان يوم الثلاثاء 11 يوليو 1882م فية امر الاميرال سيمور بضرب الاسكندرية فأخذ الاسطول البريطانى يقذف حممه على القلاع والحصون فى شدة وعنف بصورة لم يعهدها اهل الاسكندرية من قبل واستمر القذف من السابعة صباحا وحتى السادسة مساءا وكانت ذات قوة تدميرية كبيرة بينما نجد ان القنابل التى كانت تدفعها الاستحكامات الساحلية كانت ضعيفة وقصيرة المدى وسقط معظمها فى البحر قبل الوصول الى الهدف ولم يقتصر الاسطول البريطانى على توجيه ضرباته الى الحصون العسكرية بل امتد الى العدوان الى مدينة الاسكندرية نفسها وكان هدف البريطانيين تدميرها والحاق ابلغ الضرر بدورها ومنشاتها فاخذت قنابلهم تحصد الاهالى حصدا وتدمر البيوت فوق رؤوسهم ولم يتوقف ضرب الاسطول البريطانى طوال اليوم واتى على جميع حصون المدينة واستحكاماتها ومنشاتها وفى خلال هذا اليوم هاجر اهالى الاسكندرية وانتشروا على ضفاف ترعة المحمودية والقرى الواقعة على طريق الاسكندرية –القاهرة وقد بلغ عددهم 150 الفا وكانوا فى حالة لا يرثى لها لما حل بمدينتهم واسرهم .
وفى منتصف الساعة السادسة مساء يوم الاربعاء 12 يوليو 1882م عجزت حصون الاسكندرية عن الاستمرار فى المقاومة واعطى الاميرال سيمور اوامره بالكف عن ضرب الاسكندرية التى اصيبت بالخراب والدمار وكانت قنابل الاسطول الضخمة تنهال على المدينة وتخترق احياءها وتدمر المنازل من ناحية وتشعل النيران من ناحية ولم ينفرد الضباط والجنود المصريين بالدفاع عن الاسكندرية وانما شاركهم اهالى الاسكندرية فقد تطوع السكندريون وقدموا ما استطاعوا من معونة وخدمات شهد بهذا الشيخ محمد عبده حين قال (فكان الرجال والنساء تحت مطر الكلل ونيران المدافع ينقلون الذخائر ويقدمونها الى بقايا الطوبجية الذين كانوا يضربونها ) واكد احمد عرابي (فى اثناء القتال تطوع كثير من الرجال والنساء فى خدمة المجاهدين ومساعدتهم فى تقديم الذخائر الحربية واعطائهم الماء وحمل الجرحى وتضميد جروحهم ونقلهم الى المستشفيات).
زلت القوات البريطانية الأسكندرية و حاصرت قصر الخديوي لحمايته، و أعلنت الأحكام العرفية، و ربط الخديوي مصيره بانتصار الإنجليز، و انسحب عرابي مع وحدات الجيش إلي كفر الدوار لإقامة خط دفاع ثاني.
وقد طلب الخديوي من أحمد عرابي الكف عن الاستعدادات الحربية و الحضور إلي قصر التين في الاسكندرية، و لكن أحمد عرابي رفض و اتهم الخديوي توفيق بالخيانة العظمي. و تم تشكيل مجلس عرفي لإدارة شئون البلاد بعيداً عن الخديوي.و في تلك الأثناء دخل الإنجليز من قناة السويس، و زحف أحمد عرابي لمقابلتهم في الشرقية و تقابل الجيشان في معركة التل الكبير ، و انهزم الجيش المصري و أصبح الطريق مفتوحا أمام الجيش الانجليزي إلي القاهرة و دخلها في 14 سبتمبر 1882م.
وكان الهدف الرئيسي من الاحتلال هو رغبة انجلترا و فرنسا في السيطرة علي قناة السويس، لانها تعتبر الشريط الملاحي الوحيد المؤدي إلي المستعمرات الإنجليزية في الهند.
أما موقف الخديوي توفيق فهو موقف شائن بكل المقاييس ، لأنه فكر في الحفاظ علي كرسيه و التمسك به و لو أدي ذلك إلي احتلال البلاد. ....
و يكفي الخديوي توفيق عارا أن مصر في بداية عهده كانت النجم الصاعد ليلحق بالأمم المتقدمة و في نهاية حكمه أصبحت مصر تحت أحتلال كئيب قضي علي آمال رقيها و رفعتها ونهضتها ...
وفى اليوم السادس عشر من يوليو 1882م ارسل الاميرال سيمور بناء على اقتراح من الخديوي توفيق سفينيتين الى ابى قير للسيطرة على منطقة تهاى اذا حاول عرابي هدم سدها وغمرها بمياه البحر واصدر الخديوي توفيق فى اليوم العشرين من يوليو 1882م امر بعزل عرابي من وزارة الحربية والبحرية وتعيين عمر باشا لطفى محافظ الاسكندرية بدلا منه واذاع هذا الامر على شعب الاسكندرية وطالبهم بالانضمام تحت لوائه لمناصرة الجيش البريطانى والامتناع عن معاونة العرابيين ولم يؤثر ذلك على مشاعر الامة التى انضمت كلها الى جانب عرابي وقد استمرت التعزيزات البريطانية ترد الى الاسكندرية وقد قامت عدة معارك فى الميدان الغربي بين الانجليز والعرابيين كانت فى جملتها فوز للعرابيين والانجليز لم يحققوا من خلالها اى نجاح حتى تمت عملية الغزو من الجبة الشرقية والتى ترتب عليها احتلال بريطانيا لمصر فى عام 1882م .
بعد دخول الجيش الانجليزي لمصر، قام الإنجليز بحل الجيش المصري و تشكيل جيش جديد تحت إشراف إنجليزي. و قام اللورد دافرين Duffrin ، سفير انجلترا بالأستانة، بوضع خطوط الإدارة الإنجليزية لمصر و عرفت بالقانون الأساسي لعام 1883 م، و كانت تتلخص فيما يأتي:
ـــ ألا تتولي انجلترا حكم مصر مباشرة، بل تبقي السلطة في يد الخديوي ووزرائه تحت إشراف الإنجليز.
ـــ استمرار تبعية مصر الأسمية للسلطان العثماني
ـــ العمل علي طبع الإدارة المصرية بالطابع الإنجليزي ...
ـــ إلغاء بعض الإدارات ذات الطابع الدولي و في مقدمتها نظام الرقابة الثنائية ، مما أغضب الفرنسيين و ظلوا في حالة عداء حتي تم توقيع وفاق بينهما عام 1904 م
ـــ إلغاء مجلس النواب و إقامة مجلس صورى عرف بمجلس شوري القوانين، و جمعية عمومية صورية، و مجالس مديريات تضم الأعيان بصفة رئيسية. و كانت كلها مجالس استشارية و ليست نيابية كما في أوروبا.
ـــ و تم تعيين اللورد كرومر (سير إفلين بارينج) أول معتمد بريطاني في مصر في 11 سبتمبر 1883 م ..
ـــ في عهد الاحتلال الإنجليزي، أصبح الاقتصاد المصري مرتكز علي الزراعة التي أهتم بها الإنجليز لتوفير المواد الخام للمصانع الإنجليزية، فقاموا بتحسين نظام الري و الصرف و استكمال شق القنوات و إصلاح القناطر الخيرية و إنشاء خزان أسوان و أقيمت قناطرة اخري علي النيل في أسيوط و إسنا و زفتي. و علي هذا زادت مساحة الأراضي المزروعة و زاد الإنتاج الزراعي.
في نفس الوقت تدهورت الصناعة الوطنية، و هذا التدهور لم يبدأ مع الاحتلال الإنجليزي، و إنما بدأ مع انهيار نظام الاحتكار الذي أقامه محمد علي، و دخول المنتج الأجنبي مصر في ظل حماية الامتيازات الأجنبية في عهد سعيد و اسماعيل. أما في عهد الاحتلال فقد تم فرض رسوم ضريبية علي المنتجات الوطنية مما جعلها غير قادرة علي المنافسة مع البضائع الأجنبية المستوردة.
و أمام هذه المنافسة غير المتكافئة و عجز الحكومة عن حماية الصناعة المحلية، قامت الحكومة ببيع ما تملكه من مغازل القطن و معامل النسيج و إغلاق مصانع المدافع و الذخيرة و أصبحت تعتمد في تمويل مهمات الجيش المصري علي الشراء من إنجلترا.
أما الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق المصرية بعد فتحها علي مصرعيها، فقد تركزت في المجال الزراعي دون الصناعي المحكوم عليه بعدم القدرة علي المنافسة مع المنتج الأجنبي. و في مطلع القرن العشرين بلغ رأس مال الشركات الأجنبية المساهمة في مصر 45 مليون جنيه، 4 ملايين منهم فقط في الصناعة.
أما في مجال التجارة، فنظراً لغياب المنتج المصري، انتشرت الوكالات التجارية الأجنبية التي تلعب دور الوسيط في بيع المنتج الأجنبي من المورد الأوربي للتجار في مصر. و تم استثمار ارباح التجارة في مجال البنوك و شركات الرهونات. و في خلال الفترة من 1900 إلي 1907م أنشئت في مصر أكثر من 160 شركة و بنك تعمل جميعها في دائرة البنوك و استصلاح الأراضي و استغلالها و تسليف الفلاحين، و بلغت نسبة الأجانب في هذه المشروعات 93 %.
و من أبرز هذه المشروعات و أخطرها علي الاقتصاد المصري إنشاء البنك الأهلي في يونية 1898 م ، و هو مشروع إنجليزي لاحتكار إصدار الأوراق المالية المصرية و كافة الأعمال المصرفية ، مما أدي إلي ارتباط العملة المصرية بالعملة الإنجليزية، بحيث كانت أي هزة في العملة الإنجليزية تؤثر علي العملة المصرية.
كما وقع الفلاحون في قبضة بنوك التسليف، و عندما كان الفلاحون يعجزون عن سداد الديون، كان الدائنون يسارعون بالاستيلاء علي الأراضي الزراعية وفاءً للديون طبقاً لقوانين الامتيازات الأجنبية فيما عرف بالبيع الجبري أي الفلاح مجبر علي البيع للوفاء بدينه. و قد بلغ البيع الجبري حدا هدد بتسرب الأرض الزراعية في مصر من يد المصريين إلي الأجانب حتي تدخلت الحكومة المصرية في الثلاثينات من القرن العشرين لوقف هذه البيع.
أما في التعليم، فقد أصبح بمصروفات عالية بعد أن كان بالمجان مما حصره في فئة قليلة ، حتي بلغت نسبة الأمية في العشرينات من القرن العشرين 92 % بين الذكور و 97% بين الإناث. حتي جاء مصطفي كامل الذي أحدث تغييرا كبيرا في هيكل التعليم المصري لينشره في كل فئات الشعب.
و بعد احتلال مصر ظهرت حركات وطنية تهدف لإنهاء الاحتلال و اتخذت طرقا عدة ، فقامت جمعية سرية باسم جمعية الانتقام تهدف إلي تحرير الوطن باغتيال الإنجليز، و لكن مالبث أن قضي علي أفرادها في وقت قصير .
كما تأسست جريدة العروة الوثقي علي يد جمال الدين الإفغاني و الشيخ محمد عبده لمهاجمة الاحتلال، كما تأسست جريدة المؤيد في إطار الجامعة الإسلامية.
و في بداية عام 1892م توفي الخديوي توفيق علي نحو مفاجئ، و تولي ابنه الشاب الصغير عباس حلمي الثاني عرش مصر.
إلي هنا ونكتفي بهذا القدر من الحلقة علي ان نكمل معا بداية مرحلة جديدة وهي تولي عباس حلمي الثاني عرش البلاد 1892 م بعد وفاة والده الخديو توفيق .