هند العربي تكتب: كلنا فاسدون !!
الصباح العربيلقد صدق الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حينما قال "لو كان الفقر رجلًا لقتلته".
وقال أبو ذر رضي الله عنهُ : "إذا ذهب الفقر إلى بلد قال لهُ الكفر :خذني معك".
فالفقر يعني النقص والحاجة والعجز عن الوصول إلى الحد الأدنى من توفير الاحتياجات الأساسية وتحقيق مستوى معيشي لائق للفرد بحيث تتوافر له كل السبل والإمكانيات المادية لتحقيق مستوى معيشي مناسب.
وزيادة معدلات الفقر ووصول نسبة الفقراء إلى أكثر من ثلثي المجتمع مؤشرا خطيرا يهدد أمن واستقرار ذلك المجتمع، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات انتشار الجرائم، فقد يجنح بعض الفقراء إلى ممارسة العنف للحصول على ما يسد رمقهم ويوفر لهم أقل متطلبات الحياة اليومية من مأكل وملبس ومشرب، وهذا ما نشاهده بعنف ويزداد تلك الأيام.
"بيسيبوا اللي بيهرب بملايين وبيمسكوا أبو 150 جنيه" !!
جملة هزت اتزان العقل والتفكير لدي ووقفت عندها كثيرا وقد دار في ذهني العديد من علامات الاستفهام، والتي قالها أحد الشباب الصعايدة الثلاثة ممن تم القبض عليهم أثناء تهريب بضائع في بورسعيد، عند سؤال موظفة العلاقات العامة لهم عن سبب فعلتهم، فأجاب شاب صغير السن بتلك الكلمات والتي أكد أنه ينفق علي أخوانه البنات وأمه، رسالة لا يمكن أن تمر مر الكرام، رسالة للمجتمع بأكمله بكل ما يضم من فئات وطوائف وبكل ما يتخلله من اختلاف، فبداية لا أبرر أبدا ما فعله هؤلاء الشباب وما ارتكبوا من فعل معاد للقانون، وبالطبيعي يخضعوا للعقاب، ولكن من المسئول عن ذلك الفعل المناهي للقانون ومن الذي اضطرهم لفعله والمغامرة بحياتهم، فإن كان السبب هو الفقر والعوز فلا بد أن نعترف أن كلنا مفسدون ولا استثني منا أحد وجميعنا مسئولون، من مجتمع ظلم افراده، واسرة غاب عنها الوعي بسبب زيادة عدد الأبناء وانعدام القدرة علي الإنفاق أو رعايتهم، وحكومة لم تلتفت إلي أطفال الشوارع والمتسولين وحتي لظاهرة عمالة الأطفال التي تجبر الطفل بدلا من أن يتمتع بسنوات طفولته أن يقهر لينخرط وسط متاهة" لقمة العيش" ويقوم بدور لم يؤهل له من في سنه، فهناك طفل يلجأ الي السرقة، والتسول، وآخر يتاجر في المخدرات وخلافه والتهرب الجمركي، وآخرون يخرج منهم الدواعش، لأنه وبكل بساطة لم يجد نفسه وسط مجتمع راقي، ودولة لم توفر لهؤلاء الأسر الرعاية لهم في ظل إرتفاع معدلات الفقر، وكما لها من حقوق عليها من واجبات وكما بها قانون تحكم سير البشرية والأفراد يحب أن تحترم آدمية وطفولة ووضع الفرد ثم يحاسب علي خطئه ان أذنب بعد ذلك بعد أن توفر له سبل المعيشة البسيطة، وتحميهم من أسر تشجعهم علي التسول من أجل المال لانهم لا يملكون معاشات شهرية او عمل متواصل يساعدهم علي ظروف الحياة.
فإستخدام الأطفال في عمليات التهرب الجمركي المتسبب الرئيسي فيها هو "الفقر"، وسط عدم وجود فرص عمل ومعدلات بطالة وصلت إلى 60 في المائة ومعدل الفقر في بعض الأسر وصل إلي 70 في المائة من نسبة إجمالي الدولة في ظل ظروف حياة صعبة، فإن دعونا إلي المحاسبة وتطبيق القانون ليس فقط علي هؤلاء الأطفال بل علي جميع المهربين الكبار، وعلي كل مسئول فاسد، ومرتشي، وكل موظف لم يراعي عمله بداية من أصغرفرد إلي اكبرهم مناصب، بل فلنحاسب أنفسنا جميعا أن كانت الجرائم ترتكب نتيجة الفقر و"الحوجة".
فأتذكر ما فعله "الفاروق" في عام المجاعة، وأن كنت أكرر أن هذا ليس مبررا لتطبيق القانون علي هؤلاء المهربين الصغار أو غيرهم من مرتكبي الجريمة، وأن هذا ليس موقفا مشابها حتي لا نقع في زخم النفوس المريضة وما قيل وقال، ولكن نتذكر من جانب الحكمة في تدبير الأمور قبل وقوع المحظور، فقد قال الشيرازي في المهذب: وإن سرق الطعام عام المجاعة نظرت، إن كان الطعام موجودا قطع، لأنه غير محتاج إلى سرقته، وإن كان معدوما ًلم يقطع، لما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا قطع في عام المجاعة أو السنة ـ ولأن له أن يأخذه، فلم يقطع فيه. فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطرا إلى الطعام ومنع منه، فتحين الفرصة فسرق، أي أنه أسقط أو رفع الحد "حد السارق" في عام المجاعة، ونص على جواز الأخذ في عام المجاعة إذا لم يوجد الطعام، ونحو ذلك ما ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين فقال: إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه.
فجميع قضايا تورط الأطفال في الأعمال الإجرامية أو الشحاذة والتسول وخلافه، تهدد المجتمع ككل، يخلق منهم جيلا هش ضعيف عدو للمواطن وناقم علي المجتمع وفاقد لمعني الوطن والوطنية والانتماء، جعلنا منه مجرما ونحاسبه بدلا ان نكفل له سبل الرعاية والتعليم، فإن كان أولي هو توفير رعاية مجتمعية وتعليمية اولا ثم عقابهم بالحبس، فقضية التهرب الجمركي التي تورط بها هؤلاء الأطفال تعني ان الدولة والمجتمع لا تهتم بالطبقة الفقيرة ولا توفر لهم اي معاشات للحياة وتركوهم تحت خط الفقر يرتكبوا الأعمال الإجرامية بحثا عن المأكل والمشرب.
أخيرا...علي الدولة أن تهتم بالأطفال وترعاهم، وتوفر فرص عمل لهم ولأسرهم، وعلي المجتمع التوعية والمتمثل في المجتمعات المدنية وأجهزة الإعلام المختلفة والمثقفين، وعلي الدولة أن تكفل لهم رعاية اجتماعية حتي لا تزيد نسب الجرائم، ورجال الأعمال التي من المفترض أن يكون لها دور في مد يد العون لهم وتوفير فرص عمل كما فعل نجيب ساويرس، من موقف جيد مشكورا عليه فى تلك القضية الذي أعلن أنه سيحتضن الأطفال ووفر لهم فرصة عمل.
فإذا تم تطبيق القانون فلا بد أن يشمل الجميع ويحاسب الكل اعتبارا بمبدأ "لا أحد فوق القانون"، وأن أرتكب أفراده الجرائم واشيعت الفواحش وعم الضرر.. فنعلم ان جميعنا فاسدون لا هم فقط.!