كواعب أحمد البراهمي تكتب: الفساد
الصباح العربيكلنا فاسدون ولا أستثني أحدا. تلك الجملة التي قالها الفنان أحمد ذكي في فيلم ضد الحكومة , لا أعرف ماذا كان يقصد بها الكاتب وجيه أبو ذكري والمخرج عاطف الطيب .
ولكن من منظوري الشخصي وعند التمعن في تلك الجملة أجد أنها تعني كثيرا , وتعبر عن الكثير من حالنا . وإن كان كل منا يري نفسه أفضل من الآخرين . بل ودائما ينتقد الآخرين .
صحيح يوجد الكثير منا يحاول أن يكون بعيدا عن الفساد , وأقصد الفساد بمعناه الأشمل .
لأننا دائما نطلق كلمة الفساد علي المنظومات الحكومية , وذلك عندما يتفشي فيها الإهمال أو الرشاوي , أو الواسطة أو السرقات .ودائما يذهب ذهننا إلي فساد المسئولين في الحكومة دون غيره .
ولكن هل بالتدبر قليلا فيما نفعل في حياتنا ألا يدل ذلك علي أننا فاسدون ؟
ألايكون فاسدا بائع الفاكهة والخضروات والذي يضع سعرا معينا علي تجارته لجذب الزبائن , ثم عندما تذهب إليه يشير لك أنه يقصد النوع الردئ . وحتي لو إشتريت بالسعر الأغلي ألا يضع لك بعض الفاكهة المعطوبة أو الخضروات الغير صالحة .
وهل الأستاذ الجامعي الذي يعين أبنه في الجامعة متخطيا الآخر والذي يتفوق علي أبنه أليس ذلك فسادا .
أليس المدرس الذي يبذل كل طاقته في الدرس الخاص , ولا يبذل ربع ذلك في حصص المدرسة فاسدا .
أليس الذي يبحث لأبنه عن واسطة من أجل أن يحصل أبنه علي وظيفة ويدفع مقابل ذلك مالا فاسدا .
والأم التي تشجع بنتها علي وضع كل أدوات الزينة من الأجل الحصول علي عريس وتشجعها أن تفعل كل ما في وسعها من أجل ذلك .
وبائع الحليب الذي يضيف له الماء ليزداد أو يضيف له مادة الفورمالين من أجل البقاء مدة أطول .
والأب الذي يجعل أبنه فوق رؤؤس الناس ويعلمه التكبر علي الغير .
والزوجة التي تحتفظ بجزا من مال زوجها دون أن يدري , أو التي تحرض زوجها علي أهله .
والزوج الذي لا يراعي حق الله في تعامله مع زوجته , أو يبخل عليها بينما يبذخ علي الآخرين .
والقاضي الذي يلحق أبنه بالقضاء , وكذلك الدبلوماسي الذي يلحق أبنه بالسلك السياسي فقط لأنه أبنه .
أو المحامي الذي يعلم جيدا أن موكله أرتكب الجرم ويدافع عنه بكل قوة من أجل تبرئة ساحته
والتلميذ الذي يخدع أبويه بأنه يسير علي الطريق المستقيم ويصلي أمامهم وفي غيبتهم يفعل كل الموبقات .
والشاب الذي يوعد أكثر من فتاة بالزواج أو يتعامل وكأنه يكن لها كل الحب رغم أنه يعلم جيدا أنه كاذب ولن يوفي معها .
وكذلك الفتاة التي تتصنع المشاعر مع كل من تقترب منه , وعندما يتقدم لها الأفضل والمناسب تترك هذا الشخص من أجل حياة أفضل وزوج مضمون .
والمهندس الذي لا يهتم حتي بمتابعة العاملين معه ويترك موقع العمل فينهار ماتم تشييده علي ساكنيه . أو الذي لا يقوم بواجبه في عمله .
والطبيب الذي يرسل المريض من أجل عمل آشعة أو تحاليل لا لزوم لها من أجل أنه له حصة في تلك المبالغ التي سيتم تحصيلها في المعمل . وكذلك طبيب المستشفي الذي يترك دوره أو النوبتشية من أجل عيادته الخاصة .
أو الموظف الذي لا يريد أن يقوم بعمله ويتعامل مع المواطن وكأنه جاء من أجل أن يشحذ منه . أو الموظف الذي يترك عمله ويذهب لمحله الخاص أو يعمل سائق تاكسي , ويأخذ راتبا من الدولة دون أن يفعل شيئا .
أو الذي يستغل سلطته الوظيفية فيأخذ طعاما ولا يدفع ثمنه , أو يحصل علي مايريد بالتهديد
أو الفتيات اللاتي تخرج من بيوت أهلها و تخبرهم أنها ذاهبة للتسوق أو زيارة الصديقات وهي تذهب للتنره ومقابله شخص لا تربطها به صلة وغريب عنها .
أو الجار الذي يسئ إلي جاره .
أو الأخ الذي يحرم أخته من الميراث أو الأب الذي يحرم بنته من ميراث أمها .
أو الذين يجلسون معا في مجال عمل أو نادي ويتحدثون ويضحكون , وعندما يغادر أحدهم لا يمنعهم دين ولا حياء عن الحديث عنه والإساءة له والتندر عليه .
أو الصديق الذي يجلس مع صديقه فيبوح له بمكنون نفسه وما يشغله فينشر أسراره .
أو الضعيف الذي يلتزم بأوامر مديره وبكل حرف ويظهر له الود والحب وهو يتمني من داخله لو أنه أصبح تحت الأرض .
أو المسئول في موقع ولا يكون علي قدر المسئولية فيهدر المال العام , أو يكون في وظيفة كبري ولا يتورع أن يتقاسم مع المقاولين الذين يعهد إليهم بعمليات بناء أو غيرها .
أو الشخص المنوط به العناية بكبار السن أو الأطفال ويؤذيهم أو لا يهتم لأمرهم لأن أحدا لا يراه .
أو من يقوم بإختيار شخص لموقع مسئولية وهو يعلم جيدا ضعفه وعدم مقدرته علي القيام بالمهام الموكولة إليه .
لكل ما سبق وما نسيت ذكره قال أحمد ذكي كلنا فاسدون ولا أستثني أحدا .
فهل لو جلس كل شخص مع نفسه ساعة واحدة فقط ويتخيل أنه سيقابل الله بعد هذه الساعة , ولا أستثني نفسي . فهل نحن مستعدون لتلك المقابلة ؟
أم أن مظاهر الحياة أخذتنا حتي من أنفسنا فنسينا لماذا الله خلقنا .
فالحقيقة الوحيدة الموجودة حاليا هي غياب الضمير أو نومه , برغم الصلاة والصوم والإدعاء بذكر الله . والذي قاله سبحانه ( إنتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) .إن ربي أنك غفور رحيم ,وهو أيضا عادل لا يضيع حقوق الآخرين .