أحمد الخميسي يكتب: الـبـديـن والـنـحـيـف.. والـضـرب عـلـى خـفـيـف!
الصباح العربيفي شارع السلطان حسين بالاسماعيلية وقف عريس ينتظر خروج عروسه من عند الكوافير ليصطحبها إلى العرس، وفوجيء المارة به وهو يصفع عروسه في فستان الفرح ويكيل لها اللكمات والصفعات. وعلق الشجيع الشهم على ما قام به بقوله:" مش حاجة جديدة إن أنا أضرب بنت عمي ومراتي، دي حاجة عادية عندنا"! وإذا كان من حق العريس أن يضرب عروسه فإن تلك الجريمة إذا تمت في مكان عام فإنها تتقاطع مع الحق العام للمجتمع، ومثلما أقر المجتمع حقه في تجريم اظهار المشاعر الحميمية في مكان عام، فإن من حقه أيضا تجريم العنف في الأماكن العامة. هذا حق المجتمع ولابد أن يجد له تجسيدا في تشريع قانوني. المشكلة ليست في العريس فقط الذي رأى في ما جرى " حاجة عادية"، المشكلة أيضا في العروس التي دافعت ليس عن كرامتها لكن عن سحق كرامتها بقولها: "أنا بأحب عبد الله، ومقتنعة به وكل حاجة، وطبعي إني عصبية وهو عصبي جامد". وإذن فنحن هنا لا نواجه ما يسمى " المجتمع الذكوري" الذي يلح على الاشارة اليه الكثيرون، بل نحن نواجه " عبودية المرأة " الكامنة في النفوس. ويذكرني ذلك بقصة أنطون تشيخوف الرائعة " البدين والنحيف"، عن صديقين كانا يدرسان معا ثم فرقتهما الحياة ثم يلتقيان بالمصادفة في محطة قطار بعد أن أمسى البدين موظفا كبيرا في الدولة بينما مازال النحيف موظفا صغيرا جدا. البدين الثري يحتضن النحيف ويتذكر معه سنوات الدراسة وأيام الصداقة، لكن النحيف، بروح العبد الجبان، ينحني أمام صديقه القديم، ويخاطبه بقوله " صاحب السعادة" وهلم جرا، يندهش البدين وتفتر عواطفه تجاه صداقة الماضي. يقول تشيخوف إن المشكلة لم تكن في الطرف الأقوى، الأغنى، بل في الطرف الأضعف، في عبودية روح الموظف الصغير. أعني بذلك أن المشكلة ليست فقط في المجتمع الذكوري، ذلك الطرف الأقوى، المسيطر، ولكنها أيضا في المجتمع النسائي الذي مازالت تسكنه روح العبودية والخنوع وتأليه الرجل، وبهذه الروح تتحدث العروس عن رجلها الذي تحبه والذي سحق كرامتها علنا في الشارع، روح العبد المولع بسيده. وفي هذا السياق نفسه وبهذه الروح علقت ياسمين عز مقدمة برنامج "كلام الناس" على الحادث بقولها: " الرجل بطبعه حامي وحمش، وعلى المرأة أن تحتوي رجلها، فهو هدية ربنا لكِ على الأرض، ونعمة من ربنا عليكِ، فهذه العروسة بنت ناس وأصيلة ولمت دنيتها، ودارت على شمعتها". ومعنى الكلام أن على المرأة أن تداري على شمعتها التي يتضح في أغلب الأحوال أنها شمعة زفت ضعيفة الاضاءة، حتى لو كان ذلك على حساب وجودها وكرامتها. هكذا يعيش المجتمع الذكوري سعيدا بفضل مجتمع العبيد النسائي، وبينما يطالب الناس من زمن بعدم ضرب الحيوانات، فإن هناك حيوانات تبيح ضرب الناس لكن على خفيف. وإذا اردنا أن نعالج المشكلة فلابد من النظر إليها بوجهيها بصفتها علاقة تفاعل بين هيمنة رجل وعبودية امرأة. لسنا إذن في مواجهة " مجتمع ذكوري" بل مجتمع تسكنه روح الخنوع لدي طرف وروح السيطرة لدي طرف آخر، وفي الحالتين يتجسد القبول بعلاقات مشوهة خارج دائرة الحب والتفاهم والود والاحترام وكل المشاعر التي تميز الانسان. أخيرا يحضرني هنا مثل كردي جميل يقول : " لا ترم المرأة ولو بزهرة " ! فما بالك باللكمات والصفعات علنا في شارع عمومي!!