أحمد عبد الرحمن يكتب : سقراط ”المستريح”
الصباح العربي
يعتبر الكثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعي أن كل ما تحتويه هو معلومات مؤكده ، لا تقبل الشك او النفي .
واصبح عالمنا يذخر بالعديد من العلماء والعالمين ببواطن الأمور ويعتبرون انفسهم صفوة العلماء ، لمجرد انه قرأ معلومة مجهولة المصدر على الفيس بوك ، أو تحليل سياسي " لمبيض محارة " مع احترامي لكل مبيضي المحارة ، او نقد فني " لسمكري سيارات " وطبعا مع احترامي لمهنة سمكرة السيارات .
لكن الغريب والعجيب أن تجد الملايين من البشر المثقفين والغير مثقفين يتابعون بكل همة ونشاط هؤلاء الأشخاص الغير متخصصين علميا وأحيانا غير متعلمين على الإطلاق .
والقضية هنا غير مرتبطة بالبشر الذين لا يملكون قدر من الثقافة ، لكنها ترتبط بالمثقفين ارتباطا يجعلنا نضرب كفا على كف ، فعندما نجد اطباء ومهندسين وعلماء ورجال اعمال ومدرسين ، إلى آخر الوظائف التي ترتبط بالتعليم العالي أو حتى المتوسط ، يؤمنون إيمانا تام بما يقدمه هؤلاء الأشخاص الغير مؤهلين او متعلمين ولا يمتلكون أدنى درجات الثقافة ، ويرددون ما يقولونه دون فحص وتمحيص ، يجب أن نتوقف عند هذه الظاهرة .
واصبحت آفة هذا الزمان أن هناك أشخاص يستطيعون أن يسيطروا على عقول البسطاء وفي ذات الوقت عندهم قدرة غريبة في السيطرة على عقول الغير بسطاء او بمعنى ادق صفوة المجتمعات من الطبقة المثقفة المتعلمة ، وهو ما يعرض تلك المجتمعات لخطر الفتنة والإشاعات والمعلومات المضللة والنصب والإحتيال .
وطبعا ومع إنه يستحق مقال منفصل لكن يجب الإشارة إليها وهي ظاهرة " المستريح " التي تنتشر في ربوع مصر بشكل يستحق الدراسة الجادة ، لأن رغم كل التحذيرات والتجارب المريرة مع شركات توظيف الأموال في ثمانينيات القرن الماضي والوعود الزائفة التي كانوا يطلقونها بمضاعفة الأرباح ، إلا أننا نجد إلى الآن الملايين من شعب مصر بمختلف الثقافات يقعون في هذا الفخ "النصاب" بشتى صوره .
وما يحدث في وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة جعلني أتذكر قصة لها العديد من المعاني لعلنا نأخذ منها عبره وعظة .
في أحد الأيام صادف الفيلسوف سقراط أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: سقراط، أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟
رد عليه سقراط: انتظر لحظة قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحان صغير يدعى الإمتحان الثلاثي .
وتابع سقراط: يجب عليك أن تجتاز اختبار بسيط يتكون من ثلاثة أسئلة قبل أن أسمع منك أي شيء .
السؤال الاول عن الصدق، هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟
رد الرجل: لا، في الواقع لقد سمعت الخبر.
قال سقراط: حسنا، إذا أنت لست متأكد أن ما ستخبرني به صحيح أو خطأ.
السؤال الثاني يرتبط بالطيبة هل ما ستخبرني به عن هذا الطالب شيء طيب؟
فقال له لا، على العكس.
تابع سقراط: حسنا إذا ستخبرني شيء سيء عن الطالب، على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟
بدأ الرجل بالشعور بالإحراج، تابع سقراط: ما زال بإمكانك أن تنجح بالامتحان فهناك سؤال ثالث هو الفائدة، هل ما ستخبرني به عن هذا الطالب سيفيدني؟
فأجابه الرجل في الواقع لا.
تابع سقراط: إذا، إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟ فسكت الرجل وشعر بالهزيمة والإهانة!
قصة في منتهى البساطة لكنها تحتوي على العديد من الدروس التي نحتاج إليها في زماننا هذا ، لعلها تكون البداية للتفكير السليم .