ألفريد نوبل.. قصة أغنى متشرد في العالم وصاحب أشهر جائزة
الصباح العربي
قصة ألفريد نوبل صاحب أشهر جائزة عالمية، بداية من نشأته فقيرا ثم تعلقه بالأدب وصولا إلى شغفه بالعلم واختراع الديناميت.
عاش ألفريد نوبل متيما بالعلم، يرفض ألا تنصاع المادة للإنسان فأخذ يطوعها حتى اخترع "الديناميت" الذي اشتهر به، بينما ترك أكثر من 300 براءة اختراع أخرى، وقرر أن يوهب ثروته للعلماء الذين ساهموا في تغيير حياة البشرية في الطب والكيمياء والفيزياء والأدب وحققوا السلام، فمنحهم جائزة حملت اسمه وصارت من أرقى الجوائز العالمية.
قصة ألفريد نوبل
ما بين روسيا والسويد، ثم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى نهاية رحلته في إيطاليا، كان واضحا أن نوبل فذّا يتسم بالذكاء ويعشق العلوم والأدب كذلك. ولد في مدينة ستوكهولم بالسويد 21 أكتوبر 1833 باسم ألفريد بيرنارد نوبل، من سلالة العالم السويدي أولوس رودبيك (الذي عاش في القرن السابع عشر).
طفولة بائسة
نشأ في منزل متواضع، والده إيمانويل نوبل المخترع والمهندس المتخصص في بناء الجسور والطرق، ووالدته ني أهلسيل التي تنحدر من إحدى العائلات الثرية بالسويد، تزوجا عام 1927 وكان ألفريد الابن الرابع بين ثمانية أطفال، وبسبب الفقر وانعدام الوعي بالظروف الصحية الملائمة، فقدتهم الأسرة جميعا وتبقى أربعة فقط، هم: روبرت، ولودفيدج، وألفريد، وإميل.
لم يكن العام الذي ولد فيه ألفريد نوبل سهلا على أسرته، فتعرضت أعمال والده إلى خسائر ضخمة وفقد أمواله، فقرر أن يترك العائلة ويرتحل إلى روسيا عام 1837 بحثا عن عمل، وجينها تولت والدة ألفريد مسئولية الأبناء ومن مالها الخاص ومساعدات المحيطين، افتتحت محل صغير للبقالة والألبان لتعول الأسرة.
سفر الأب
في روسيا، استطاع إيمانويل نوبل أن يؤسس مصنعه لآلات وأدوات التفجير التي كانت تصنع الألغام الأرضية وتستخدم لتفتيت الكتل الصخرية، كما اخترع الخشب الرقائقي وتعاون مع الجيش الروسي في تصميم الطوربيدات البحرية، وساهمت الألغام البحرية في منع المملكة المتحدة من الزصول إلى سانت بطرسبرج. تحسنت الأحوال المادية لإيمانويل، مما ساعد على سفر الأسرة إلى سانت بطرسبرج في روسيا للأب، الذي اهتم بتعليم أبناءه بشكل خاص.
وتعلّم ألفريد نوبلعلى يد مدرسين خصوصيين، فدرس الكيمياء وتاريخ السويد وبرع في إتقان اللغات، فكان يجبد الروسية والسويدية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، كما كان يحب الأدب لدرجة أنه كتب – في وقت لاحق- مسرحية نثرية عن مأساة الفتاة الرومانية التي قتلت والدها بياتريس سينسي، لكن تم إعدام كل نسخها عدا 3 نسخ فقط بعد وفاته، كما كتب الشعر والرواية.
رحلة تعليمية
بعد سنوات من التعليم المنزلي، واعتياد ألفريد على المتفجرات والألغام التي كان يراقب تصنيعها في مصنع والده، إلى جانب اهتمامه الخاص بالشعر والأدب، في حين أراد والده أن يكون مثله مهندسا كيميائيا، فأرسله إلى فرنسا عام 1850 ليدرس الكيمياء.
وتعلم في مختبر البروفيسور الكيميائي المعروف حينها تي جي بيلوز، الذي تعرّف في مختبره على كيميائي إيطالي اسمه أسكانيو سوبريرو، لتبدأ قصة الديناميت من معرفة ألفريد بالنتروجليسرين الذي اخترعه سوبريرو، وهو عبارة عن سائل شديد الإنفجار، مما جعل نوبل بفكر في استخدامه في أعمال والده.
وثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات، تعلم فيها على يد البروفيسور جون إريكسون، حتى عاد إلى روسيا محاولا استكشاف طرق استخدام النتروجليسرين وتطويره، ولكن مع انتهاء حرب القرم وتوقف حاجة الجيش الروسي للمتفجرات والألغام البحرية، تراجعت أعمال والده، فقرر أن يعود إلى السويد عام 1863 مصطحبا معه زوجته وألفريد وإميل، بينما بقي الشقيقان الأكبر في جنوب روسيا لتطوير صناعة النفط.
ماذا اكتشف ألفريد نوبل؟
وصل عدد براءات الاختراع والاكتشافات التي حققها ألفريد نوبل إلى ما يقرب 350، بدأت مع أول براءة اختراع له عام 1957 وهو عداد الغاز، ثم جهاز تفجير، وعام 1865 اخترع كبسولة تفجير، وظل طوال مسيرته العلمية يقدم اختراعات علمية، ولكن كان الديناميت هو أبرزها.
تدمير مصنع
بعد أن شغل النتروجليسرين بال ألفريد، أراد أن يطوعه وينوع استخداماته، وبعد عودته إلى السويد مع أسرته، أقام مصنعا يعمل على تطوير النتروجليسرين واستطاع أن يقنع به الحكومة لاستخدامه في إعداد طرق السكك الحديدية والتعدين، وفي إحدى التجارب تعرض المصنع للاشتعال الشديد عام 1864، الأمر الذي أودى بحياة عدد من الأشخاص العاملين به، ومن بينهم أخيه الأصغر "إميل".
أوقفت الحكومة السويدية أعمال المصنع، ومع مأساوية الحادث كان تفكير ألفريد يدور حول تذليل العقبات التي تمنع تصنيع هذا المتفجر، والبحث عن المواد التي يمكن إضافتها ليكون أكثر أمانا، ولكنه نقل تجاربه هذه المرة إلى قارب في بحيرة مالارين.
اختراع الديناميت
بحث ألفريد نوبل عن المادة التي يمكنها أن تمتص سائل النيتروجين وتحوله إلى عجين يسهل تشكبله والتعامل معه، فقرر إضافة الكيسيلجر (تراب المشطورات)، وبدأ يشكل العجين إلى أصابع طويلة مغلفة بغلاف واقي، ثم توضع في كبسولة التفجير التي اخترعها ألفريد أيضا، ويتم تزويدها بفتيل.
كان الهدف من الديناميت، الذي يُقال إن ألفريد منحه اسما مشتقا من اللغة الإغريقية بمعنى القوة، أن يساهم في تسهيل بناء الجسور والطرق والسكك الحديدية والتعدين وحفر الأنفاق، فكان العمال يدخلون أصابع الديناميت إلى فتحات صغيرة ثم يشعلون الفتيل بسهولة.
اخترع نوبل الديناميت عام 1966، ونال عنه براءة اختراع عام 1867 في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وانتشر الاحتياج له في مختلف الدول، لدرجة أن ألفريد أنشأ 90 مصنعا حول العالم لإنتاجه، واستمر في اختراعاته لتكنولوجيا المتفجرات وتطويرها واشتكشاف مواد أخري، فسجل براءات اختراع عن الجلجنيت والبالليستيت والمطاط الصناعي.
وصية ألفريد نوبل
قبل أن يكتب ألفريد نوبل وصيته ويخصصها لجائزة نوبل، مرّ في حياته مواقف أدت إلى قراره، فمع عدم دقة الحكاية المتداولة أنه عقب وفاة اخيه الأكبر، وجد صحيفة فرنسية قد اختلط عليها الأمر وظنت أن ألفريد نوبل هو من مات، فنشرت نعي قائلة "تاجر الموت ميت"، فشعر بتعاسة شديدة قرر على إثرها أن يخصص ثروته للعلم والسلام، يبدو أن هناك سبب آخر.
ما هي قصة جائزة نوبل للسلام؟
لم يحظ ألفريد نوبل بزوجة وأسرة، ولكن في واحدة من فترات حياته، عملت لديه سكرتيرة نمساوية تُدعى كونتيسة بيرثا كينسكي، وأشيع وجود علاقة تجمعها بألفريد، ولكنها بعد وفت قصير انتقلت إلى النمسا لتتزوج من الكونت آرثر فون سوتنر، وظلت المودة تجمعها بألفريد، ويتبادلا الرسائل لسنوات طويلة.
كانت بيرثا معادية للعنف وواحدة من نشطاء حركة السلام حول العالم، ورفضت التسليح للدول، خاصة، في ظل وجود متفجرات على قدر عالي من الخطورة، ونشرت كتابا بعنوان "ارفعوا أيديكم"، ويبدو أنها تشاركت هذه الآراء مع الفريد نوبل، وظهر تأثره بها بتخصيص جائزة للسلام ضمن جوائز نوبل بعد وفاته. وعام 1905، حصلت بيرثا كينسكي على جائزة نوبل للسلام
ثروة ألفريد نوبل
وقع ألفريد نوبل وصيته في 27 نوفمبر 1895 بالنادي السويدي النرويجي في باريس، وعين المهندسين راجنار سوهلمان ورودولف ليلجيكويست، وكان قد خصص 94% من ثروته كرأس مال لجائزة نوبل، وهو ما قُدر بـ 31,225,000 كرونة سويدية (وكانت تعادل حينها مليون و687 ألف و837 جنيه إسترليني).
أسس المهندسان مؤسسة نوبل لرعاية الأصول المادية للجائزة، في حين لاقت الوية معارضة قوية من أقارب نوبل وعائلته، وكذلك الحكومت التي عمل في بلادا، سعيا من كل جهة للحصول على هذه الثروة، ويظل الأمر بين قاعات المحاكم حتى عام 1901 حين تم منح أولى جوائز نوبل.
جائزة نوبل
حدد ألفريد نويل الفروع التي سيتم نيل جائزته عنها، وكانت تمثل فروعها اهتماماته الشخصية، من العلوم الطبيعية والكيمياء والعلوم الطبية والأدب وخدمة السلام الدولي، فقرر أن تكون الجائزة لكل فرد أو مؤسسة دون تحيز لأي جنسية، على أن يكون ساهم في تغيير حياة البشرية.
مع تنوع مجالات الجائزة نالها المئات خلال العقود لماضية، فمنذ عام 1901 حتى عام 2021 تم منح جائزة نوبل لما يقرب 609 مرة، وحصل عليها 975 جهة ما بين أفراد ومنظمات.
وفاة ألفريد نوبل
أغلب سنوات عمره، قضاها ألفريد في باريس، ولكن في السنوات الأخيرة انتقل إلى سان ريمو بإيطاليا، حيث توفي عن عمر 63 عاما، في 10 ديسمبر 1896.