أحمد الخميسي يكتب: من داغستان..تحية لغزة
الصباح العربي
يقول رسول حمزاتوف شاعر داغستان الأعظم:" الوطن ليس أغنية، لكنه خفقان القلب الذي تولد منه الأغنية". ومن داغستان إلى غزة ترفرف أحر مشاعر التعاطف مع غزة، أبداها المواطنون الذين مضوا جماعات غاضبة طوقت فندق " فلامينجو" تطالب بطرد السائحين الاسرائيليين منه، كما هاجموا مطار العاصمة يحتجون على استقباله طائرة إسرائيلية بقبضات مرفوعة صارخين:"لا مكان لقتلة الأطفال في داغستان"، وفي خضم الغضب الشعبي على مجازر غزة ارتعب اليهود الجبليون هناك وناشدوا السلطات أن تحميهم من أي أعمال انتقامية، ولذلك أصبحت الشرطة في كل جمهوريات القوقاز في حالة استنفار لاستبقاء الغضب الشعبي على إسرائيل في إطار التحرك السلمي. وتعليقا على ذلك صرح مسئول أمريكي بأن أحداث داغستان: " تمثل عداء للسامية"، ولم يكن هناك رد على ذلك أفضل مما قاله فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا لدي الأمم المتحدة : " ليس لإسرائيل حق الدفاع عن النفس في هذا الصراع لأنها دولة احتلال"، وهو المعنى نفسه الذي أشار إليه أمين عام الأمم المتحدة حين صرح بأن هجمات حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل " لم تحدث من فراغ، لكنها نتيجة 57 عاما من الاحتلال الخانق". وقد يستغرب من لا يعرف تاريخ داغستان ذلك التعاطف الشعبي مع فلسطين، فقد دخل العرب القوقاز في القرن السابع ميلادي وانتشر الاسلام هناك وكانت اللغة العربية لغة داغستان الرسمية حتى 1930 وسادت الثقافة العربية في تلك الأنحاء ومازال لها تأثير كبير. ومن داغستان برز الإمام شامل، الذي كان يتقن العربية وكانت مكتبته عامرة بالكتب العربية، وهو الذي قاد القوقاز للتحرر من سيطرة القياصرة ثلاثين عاما، وكان يخطب في الشعب ويكرر: " قدسوا الحرية يا أهل الجبال كأنها أمهاتكم ولا يغرنكم ذهب أو ثروة"، وعن ذلك الثائر العظيم كتب فريدريك انجلس يقول:" إن أهم حركات التحرر الوطني في القرن التاسع عشر قام بها الإمام شامل والأمير عبد القادر الجزائري". وقد وجدت إسرائيل نفسها في مأزق لا تحسد عليه بعد عملية 7 أكتوبر، فهي إذا لزمت الصمت تكشفت كذبة الدولة القوية، وإذا ضربت تبينت فاشيتها للعالم، خاسرة في الحالتين، مثلها مثل شخص وقع في رمال متحركة، كل اهتزازة أو حركة في أي اتجاه تجعله يغطس أعمق في هلاكه. يقول رسول حمزاتوف في إحدى قصائده: " يصدأ ذلك الخنجر الراقد في غمده، ويترهل الفارس الراقد في بيته ". ولقد أشهرت المقاومة خناجرها من أغمادها، وأظهرت فرسانها رغم كل شيء. وقد أسعدني الحظ بزيارة داغستان عدة مرات، وفي إحداها كنت مارا في شارع هادئ أبحث عن مكان أشرب فيه قهوة، ولمحت لافتة مكتوب عليها عبارة " كافيه بالميرو" وقد وقف تحتها شاب. سألته: عندكم قهوة تركي؟ أجابني: تفضل. وتقدمني إلى ممر مسقوف بتعريشة عنب في شبه حديقة، جلست و بعد قليل ظهرت فتاة وضعت أمامي قدح القهوة وصحنا بشطائر الجبن وسألتني بأدب: أي شيء آخر؟. شكرتها فانصرفت، وعندما انتهيت من القهوة صحت على الشاب وسألته : كم الحساب؟ أجابني : لا شيء. قلت: كيف؟ هذا كافيه ولابد من دفع الحساب. رد بأدب : لا هذا ليس كافيه، هذا منزلنا. قلت: لكن هناك لافتة كبيرة مكتوب عليها كوفي شوب؟. قال: نعم. لكن مدخل الكوفي شوب في الناحية الأخرى من الشارع. تعجبت قائلا: والجرسونة الشابة؟ ضحك قائلا: إنها زوجتي زينب. وأضاف: أنت سألتني عن قهوة وقدمناها، هذا واجب الضيافة نحو الغرباء. هذا هو شعب داغستان الذي يرسل الآن تحية التضامن العميق مع غزة.