أحمد الخميسي يكتب: عندما يتحدث جورج أورويل..
الصباح العربي
قد لا يحتاج الروائي الانجليزي جورج أورويل إلى تعريف أكثر من القول بأنه صاحب الرواية الشهيرة " العالم 1984" التي واصلت تقاليد رواية " المدينة الفاسدة " في مواجهة أحلام أو أوهام المدينة المثالية. وقد بدأ ذلك النوع من الروايات على يدي الروسي يفجيني زامياتين 1926 مع صدور روايته " نحن"، ثم ظهور رواية ألدوس هكسلي" عالم جديد شجاع" عام 1932. وقد يتخيل البعض أن كتاب تلك الروايات أدباء متشائمون قطعوا كل صلة لهم بالأمل في تغيير العالم، لكن جورج أورويل يكشف لنا عن حقيقة أن كل ذلك التشاؤم إنما هو استدعاء للأمل، وتشبث به، بل وتحفيز الأديب على القيام بدوره، ويعلي أورويل من شأن رسالة الكاتب، ويذهب في كتابه " لماذا أكتب؟ " إلى أن كل أديب هو: " داعية سياسي بشكل ما، وأن موضوع الكتابة والصور وحتى الحيل الأسلوبية محكومة في المطلق بالرسالة التي يحاول الكاتب نشرها"، وأن الطعن في النظم الشمولية ليس يأسا من تغييرها، لكن أملا في ذلك التغيير. وفي ذلك السياق يلقي جورج أورويل الضوء على قضية ارتباط الأدب بالسياسة والمجتمع فيقول إنه:" لا يوجد كتاب يخلو من تحيز سياسي. حتى الرأي القائل بأن الفن لا يرتبط بالسياسة بشيء هو بحد ذاته موقف سياسي". وهكذا يعري الكاتب الكبير جوهر الأدب الذي يدعي الترفع عن الهموم العامة والسياسة، مؤكدا أن ذلك الترفع " موقف سياسي " بحد ذاته. ويوضح ذلك قائلا : " إنني عندما أجلس لكتابة عمل ما فذلك لأن هناك كذبة ما أريد فضحها، وحقيقة ما أريد إلقاء الضوء عليها"، ويضيف : " إن دور الأدب أن يقودنا إلي عالم جديد .. ليس عبر كشفه الغرائب، بل عبر كشفه ما هو اعتيادي". هكذا يبعث جورج أوريل ويجدد الصلة بين الأدب والحياة، هذه الصلة التي طمرتها عشرات الروايات والنظرات النقدية مؤخرا، فأمسى الأدب معزولا ومهمشا ، كما افتقد القراء ما ينشدونه من الأدباء، وهو الحقيقة. إلا أن حديث أورويل لا يقتصر فقط على الجانب النظري من علاقة الأدب بالحياة، وعلاقة الأديب بمجتمعه، بل يمتد إلي قضايا فنية جمالية مركبة بالغة الأهمية، من ذلك تساؤله : لماذا يحدث أحيانا أن نرفض الآراء السياسية والأخلاقية لكاتب ما لكننا مع ذلك نستمتع بعمله ونجله ونقدره؟! وهنا يتطرق الكاتب الكبير إلى مشكلة المسافة التي تفصل أحيانا بين " وعي الكاتب الفني "، وبين " وعيه السياسي"، فبينما يقود الوعي السياسي الأديب أحيانا إلى مواقع الرجعية فإن وعيه الفني يسوقه إلى تصوير الحقيقة، لأنه لا فن بدون الحقيقة. ويجتهد الكاتب الكبير للإجابة عن السؤال المتكرر: " لماذا نكتب؟ " فيضع تحت أعيننا جملة من دوافع متشابكة ذاتية وموضوعية تختفي وراء الرغبة في الكتابة، ويفسر ذلك بقوله إن جذور الرغبة في الكتابة قد تكمن في حب الذات، أوأن يحظى المرء بإعجاب الآخرين، أو في استمتاع المبدع بالجمال والبهجة الناجمين من عملية الإبداع، وأخيرا ربما تكمن الرغبة في الكتابة في ذلك الشوق الكامن الملازم للإنسان لاكتشاف الحقيقة وحمايتها، وبعبارة أخرى الشوق إلى دفع العالم في اتجاه يعتقد الكاتب أنه الاتجاه الأفضل الصحيح.