تاريخ من العزة والفخر.. أبطال حرب أكتوبر: انتصار أكتوبر كان ملحمة بطولية سجلها المصريون بصفحات التاريخ
الصباح العربي
ترك انتصار حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ذكريات عزيزة على قلوب صانعي النصر الذين سطروا تاريخا ومجدا يفخرون به في كل وقت وحين، حيث تمكن هؤلاء الأبطال من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة من صناعة تاريخ تأبى صفحات المؤرخين أن تتجاوزه، بل يقفون على أسطر العزة والكرامة التي دونها رجال الجيش المصري متأملين المعجزة الحربية المصرية، التي استعادت بها مصر والعرب عزتهم وكرامتهم.
وفي هذا الإطار.. يؤكد العميد محمد محمد عبد القادر أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، أن الانتصار الذي حققته القوات المسلحة المصرية ومن خلفها الشعب المصري في أكتوبر 1973 سيبقى صداه مؤثرا في تاريخ الدولة المصرية، مشيرا إلى أن تلك الحرب أعادت للدولة هيبتها وحطمت أساطير روج لها العدو، كما أن تلك الملحمة البطولية وضعت العدو في حجمه الطبيعي.
وقال العميد محمد محمد عبد القادر - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن القوات المسلحة المصرية استطاعت بناء نفسها عقب نكسة 1967، ووضعت الخطط الاستراتيجية التي مكنتها من القيام بمعجزة تاريخية يوم السادس من أكتوبر، لافتا إلى أنه سبق "معركة التحرير" عمليات كشفت عن مدى الجاهزية التي وصلت إليها القوات المسلحة خلال تلك الفترة وقدرتها على القيام بأي عمل من أجل تحرير أرض سيناء الغالية.
واسترجع العميد محمد محمد عبد القادر، والذي كان يشغل رتبة قائد سرية مدفعية وقت الحرب، ذكرياته في تلك المعركة قائلا إنه فور تخرجه من الكلية التحق بإحدى كتائب المدفعية ذات العيار الثقيل، لتبدأ حياته العملية من خلال تطبيق المعلومات النظرية التي تعلمها خلال سنوات الدراسة بالكلية الحربية.
وأضاف أنه في شهر يونيو 1973، تم تكليف كتيبته بنشاط تدريبي مكثف في معسكر تدريبي في منطقة الصالحية، لمدة ثلاثة أشهر تم خلالها رفع كفاءة الكتيبة من المعدات والأسلحة، ثم تحولت الكتيبة إلى مشروع رماية بالذخيرة الحية (وهو أرقى أنواع التدريب)، انتهت منه في سبتمبر 1973.
وتابع: "تلقينا أمرا بالاستعداد لاحتلال مواقع للمدافع شمال مدينة الإسماعيلية، ومراكز ملاحظات على شاطئ القناة الغربي، وذلك في إطار مشروع تكتيكي تجريه فرقة المشاة بكاملها، وقد تبين فيما بعد أنه لم يكن مشروعا تكتيكيا ولكنه كان الاستعداد للحرب".. مشيرا إلى أنه كان للسرية والتكتم الشديد والذي نفذ بدقة متناهية من كافة مستويات القيادة في القوات المسلحة، الدور الأكبر في مفاجأة العدو بتوقيت الهجوم ولم يكن هذا ليتم إلا بوعي أولئك القادة بأهمية التخطيط الدقيق في سرية محكمة.
وذكر أنه بداية من يوم 28 سبتمبر 1973، بدأنا نشعر بحركة غريبة واهتمام غير عادي ونشاط غير معهود، حيث جاءنا رئيس تسليح الجيش الثاني الميداني وهو برتبة عميد ومعه طاقم إصلاح للكشف على الحالة الفنية للمدافع وإصلاحها، وفي اليوم التالي أخذت خطط العمليات تتوالى على الكتيبة وأخذنا في حلها وتجهيز بياناتها، وذلك بوضع إحداثيات الأهداف على الخرائط واستخراج بيانات الضرب لها من المدافع وظللنا يومين متصلين دون نوم أو أي قسط من الراحة في إعداد بيانات الأهداف.
ولفت إلى أنه بعد ظهر الثالث من أكتوبر، تمت دعوة جميع القادة حتى مستوى قائد سرية إلى مؤتمر مع اللواء حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية مشاة ميكانيكية وقتها، والذي استقبلنا وتبدو على وجهه علامات الاهتمام والتفكير العميق، وأخذ يتبسط معنا في الحديث، ثم تطور الحديث إلى الروح المعنوية للجنود ومسئولية القادة في الحفاظ عليها عالية، وتطرق في حديثه إلى السرية والأمن ومدى أهميتهما، ثم أنهى إلينا الخبر الذي كنا مؤهلين تماما لسماعه، وهو قرب بدء حرب التحرير.
ولفت إلى أن القوات المسلحة نفذت خطة هائلة للخداع الاستراتيجي للعدو، حيث في اليوم نفسه (3 أكتوبر) تم نزول دفعة إجازات من الجنود والتي كانت موقوفة في الفترة الماضية، وإشاعة ذلك بحيث وصل الخبر إلى الجميع، وتم عودة الضباط والجنود ليلا دون أي إعلان عن ذلك، وكان هذا من باب الخداع.
وتابع أنه في صباح الرابع من أكتوبر بدأت عملية إيصال المعلومات إلى الجنود، بصورة تحمل كثيرا من التشويق، ومثيرة لفضول الجنود، وتم تهيئة أذهانهم لاستقبال الخبر، لافتا إلى أنها كانت لحظات رائعة في حياته كضابط بالقوات المسلحة.
واستطرد أنه في مساء نفس اليوم، بدأ قادة السرايا في تدارس خطط العمليات مع قائد الكتيبة، وبعد الاطمئنان إلى تفهم كل صغيرة وكبيرة في الخطط، تم في صباح يوم الخامس من أكتوبر، تنفيذ تجربة لارتداء الجاكت المصنوع خصيصا للعابرين بالقوارب، والذي يحتوي على كل ما يحتاجه الجندي من ذخيرة وسلاح ومهمات وتعيينات قتال تكفي لمدة ثلاثة أيام وكشافات ليلية وأدوات حفر ومهمات وقاية من أسلحة التدمير الشامل، وتم عمل بروفة لاستخدام مهمات الوقاية من الأسلحة الكيماوية، وكان الكل متفهما لواجباته ولدوره بصورة تدعو للفخر.
وأبرز أنه في الثانية عشرة ظهرا يوم السادس من أكتوبر وصلته قصاصة ورق صغيرة مدون بها "سعت س 1405"، أي الساعة الثانية وخمس دقائق.. موضحا أن "سعت س" هي مصطلح يوضح اللحظة التي تبدأ فيها أول موجة من موجات العبور بالقوارب مغادرة الشاطئ الغربي للقناة.
وتابع أن الموجة الأولى بالعبور بالقوارب كانت مخصصة لجنود وضباط المهندسين العسكريين، للتأكد من عدم وجود أي موانع تعوق تقدم القوات شرق القناة، كألغام أو غيرها، وعادت القوارب فارغة لتعبر الموجة الثانية، منوها بأن المدة الزمنية المخصصة للوصول للشاطئ الآخر كانت سبع دقائق ونصف الدقيقة وكان هذا أعلى معدل تم الوصول إليه خلال التدريب، ولكن وصلنا في حوالي خمس دقائق فقط نظرا للروح المعنوية العالية.
وأشار العميد محمد محمد عبد القادر إلى توالى نزول الجنود من القوارب على الضفة الشرقية للقناة وتوالت الموجات البشرية مزودة بالأسلحة الخفيفة، ثم صعود الساتر الترابي الهائل في وقت تتوالى فيه قصفات التمهيد النيراني القوية التي أحدثت خسائر كثيرة في أرواح ومعدات العدو.
وأعرب عن سعادته لنيله الشرف الأعظم في الاشتراك بأعظم ملحمة مصرية سطرها المصريون بدمائهم وأرواحهم لاسترداد العزة والكرامة والكبرياء، ولتبقى راية الوطن عالية خفاقة.
واختتم حديثه بتوجيه رسائل إلى الأجيال الحالية، وقال إن جيل أكتوبر 1973 قد أدى ما عليه من أمانة حملها على أعناقه، وإن كل جيل لا بد أن يقدم إلى بلده كل ما يُطلب منه حفاظا على هذا البلد.
وأبرز أهمية العمل على تحصين الشباب من حملات تشويه العقول عبر الأفكار الهدامة التي تستهدف الأجيال الحالية، موضحا أن الحروب الحالية تقوم في الأساس على فكرة إسقاط الدول من خلال تدمير الوعي.
من جهته.. أكد العريف صلاح عبد العزيز، أحد أبطال سلاح الحرب الإلكترونية خلال حرب أكتوبر، أن سلاح الحرب الإلكترونية كان له دور بارز في تحقيق الانتصار على العدو في حرب أكتوبر 1973، حيث أدى السلاح دورا بارزا في مسألتي التشويش والتصنت، كما أسهم بشكل كبير في إرباك العدو وتعطيل اتصالاته، مما كان له تأثير حاسم في نتائج الحرب.
وقال عبد العزيز - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن الجنود المصريين البواسل استطاعوا أن يتغلبوا على كل التحديات ويثبتوا أن مصر قادرة دائماً على الدفاع عن حقوقها وتحقيق النصر في أصعب الظروف.
وأشار إلى أنه تم تحطيم مسألة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي رغم التفوق الذي امتلكته إسرائيل خلال الحرب في هذا المجال بامتلاكها أحدث الأسلحة والأجهزة.
واستذكر لحظات العزة والفخر خلال مشاركته في حرب أكتوبر المجيدة.. وقال: "إن أفضل لحظة في حياتي عندما انهار العدو الإسرائيلي أمام جنودنا".
وشدد العريف صلاح عبد العزيز على أن الأجيال الحالية تستطيع كتابة ملاحم العزة والفخر باصطفافها خلف قيادتها لأن المصريين قادرون بعزائمهم على قهر المستحيل خاصة في أوقات الشدائد.