أحمد الخميسي يكتب: اللغة العربية..المحبة القاتلة
الصباح العربييتكلم اللغة العربية ويتعلمها نحو نصف مليار نسمة، لذلك في عام ٢٠١٢ أقرت الأمم المتحدة يوم 18 ديسمبر من كل عام يوما للاحتفال بها. ونحن بالطبع نعشق لغتنا كما يعشق كل شعب لغته. ألا أن ذلك لا ينفي أنها لغة صعبة وتعد أصعب رابع لغة في العالم بعد الصينية و الكورية واليابانية. وتكمن صعوبتها أساسا في النحو . وقد شكا طه حسين من عذابه مع النحو حين بدأ يتعلم اللغة وهو صبي، أما نجيب محفوظ فقال بهذا الصدد : " ان أكبر صراع خضته في حياتي كان مع اللغة العربية" ! ولا يهون من صعوبة النحو والقواعد التفاخر الجميل بلغتنا كما في قصيدة حافظ ابراهيم يقول على لسان اللغة: " أنا البحر في أحشائه الدر كامن" . وكان النحو منذ ظهوره موضع خلافات عميقة أدت إلى وجود مدرستين في اللغة خلال القرن الأول الهجري( السابع ميلادي) : مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة. ومازال النحو يشكل من يومها إلى يومنا عقبة امام كل من يتعلم العربية. لذلك دعا طه حسين في الكثير مما كتب إلى تسهيل وتيسير النحو خاصة في كتابه " أدبنا الحديث ". واستنكر طه حسين أن تظل اللغة العربية وأساليبها جامدة رغم تغير الظروف وتطور الحضارة.وكتب كثيرا في ضرورة واهمية تبسيط قواعد اللغة، إلا أن دعوته جوبهت برفض عنيف من محبي اللغة العربية الذين يقدسونها ويفزعون من اي مساس بها وعارضه في ذلك عباس العقاد. والحق أن من يقدسون اللغة هم أول من يجعل منها أمرا منفرا فوق طاقة الناس حتى أصبح بوسعنا القول إنه لا يقتل اللغة سوى الحريصين عليها للغاية ومن ينظرون إليها بتقديس. وفي مجال سخافة الكثير من القواعد سأضرب مثالا واحدا: جميعنا يعرف أن العدد من رقم ثلاثة حتى تسعة يخالف المعدود، فمقول: تسعة رجال وتسع نساء. لكن الرقم عشرة يخالف اذا كان مفردا، مثل عشرة رجال وعشر نساء، لكنه يعود ليوافق المعدود إن كان مركبا مثل: أربعة عشر رجلا، وثلاث عشرة امرأة. السؤال الآن: لماذا لا نجعل الرقم عشرة مخالفا للمعدود في كل الاحوال مفردا كان ام مركبا؟ وما هي الفائدة من وجع القلب الخاص بالعشرة المفردة والعشرة المركبة هذا؟! مثال آخر. القاعدة أنه لابد من حذف الالف من كلمة " ابن" في حال كان الشخص الثاني والدا للأول مثل عمر بن الخطاب! كما تحذف ألف " ابن" أيضا عند الاستفهام أو النداء! فيم كل وجع القلب هذا؟ ولماذا لا تحذف الألف دائما أو تبقى دائما وخلاص؟. بطبيعة الحال فإن المقال الصحفي لا يتسع للكثير من الأمثلة ولا يمكن التوغل أبعد من ذلك في سخافة الكثير من القواعد النحوية. والقصد من كل ذلك أن علينا في يوم اللغة العربية أن نضع نصب أعيننا الأهمية القصوى لتيسير النحو وتخفيف صعوباته انطلاقا من أن محبة اللغة تكمن في إدراك أنها ظاهرة حية وليست صنما مقدسا، وأن علينا في علاقتنا بها أن نستجيب لاحتياجات التطور في عصر لم يعد به وقت للتوقف طويلا والتساؤل بحيرة وهم وغم : هل نحذف همزة " ابن" هنا ؟ ام نتركها هناك؟ وهل الرقم عشرة يخالف المعدود مفردا أم مركبا؟ وإذا كنا نعشق لغتنا ونحرص عليها حقا فإن علينا أن نطلق سراحها في الحاضر وأن نحررها من قيودها، ومن محبتنا تلك.