مقالات ورأى

أحمد الخميسي يكتب: العلاج بالكتابة

الصباح العربي

انتشرت مؤخرا فكرة أن الكتابة علاج للمشاكل النفسية بل وللأمراض البدنية، ويسمى ذلك" الكتابة الاستشفائية" التي تحسن الحالة النفسية وترفع كفاءة الجهاز المناعي وتقاوم الربو والصداع النصفي. وقد راجت تلك الفكرة مؤخرا، خاصة بعد أن صدر كتاب " الكتابة التعبيرية " جيمس بيكر في 2014، والذي يؤسس فيه لفكرة التداوي بالكتابة، سواء أكانت أدبية أو غير أدبية، ويقول في ذلك : " إن التعبير بالكلمات على الورق أو حتى على الكمبيوتر سحر لن يلمسه إلا من مارس الكتابة من أجل التعافي". والمقصود هنا بالتعافي الناجم عن الكتابة استخدام عملية الكتابة لتخليص الذهن من الشحنات السلبية، والتوتر، والقلق، والتغلب على الاكتئاب، بوضع كل تلك المشاعر على ورق، ومن ثم مواجهتها. وقد قام جيمس بيكر نفسه بتجربة في ذلك المجال عام 1986على مجموعة من الطلاب، أفاض بعدها في الكلام عن الأثر العضوي البدني للعلاج بالكتابة. إلا أن فكرة " العلاج بالكتابة " قد وجدت من المبالغات قدرا ضخما، كما تجد عادة كل فكرة بازغة، هذا رغم أن الفكرة نفسها قديمة، وطالما أشار أدباء عظام إلى تأثير الأدب في الحالة النفسية سواء عند الكاتب أو القارئ. ووصلت تلك المبالغة حد أن الكتابة تعالج الضغط والأورام وتساعد في تحسين كفاءة الجهاز المناعي للتغلب على الأمراض. وفي ذلك المضمار ذهبت الروائية الأمريكية سيلفيا بلاث إلى حد القول:" لقد اشتغلت بالطب عشرين عاما رأيت فيها أن الأدب والطب صفحتان متقابلتان، مثلهما كمثل رجلي الانسان"، ومن العجيب أن هذه الكاتبة المرموقة التي آمنت بذلك توفيت منتحرة عام 1963 ! ولا شك أن للكتابة أثراً كبيراً في شحن النفوس وحفزها وابتعاث الآمال فيها، لكن لا أكثر من ذلك. وسوف نجد هذا الأثر فقط لدي مبدعي الأدب والفن، وليس لدي كل إنسان وضع أمامه ورقة وسجل عليها مشاعر الاحباط أو التوتر والقلق، وهذا لسبب بسيط أن الفنان يخلق من الفوضى التي تحبطه نظاما فنيا ، ويخلق من عشوائية الحياة قانونا بخلق شكل فني في بناء محكم، ينتظمه إيقاع وتتخلله فكرة وهدف. الفنان بذلك يعيد خلق العالم الكئيب، فيجد لفوضاه حلا. والعلاج بالكتابة ممكن إلى حد ما ، عندما تكون وراء الكتابة فكرة. ومع ذلك فإننا نلاحظ انتشار وهم العلاج بالكتابة على نطاق واسع، ورواجه في برامج الورش الأدبية.

أحمد الخميسي يكتب العلاج بالكتابة