انعقاد الملتقى الفكري بساحة مسجد الإمام الحسين في الليلة الرابعة من رمضان


الأستاذ الدكتور رمضان عبد الله الصاوي:
الصيام مدرسة روحية والعبادة لا تنفك عن الأخلاق فكلاهما وجهان لعملة واحدة
الأستاذ الدكتور محمد عبد الدايم الجندي:
مسارات التوسط والاعتدال تبدأ بالتصفية القلبية
ويؤكد:
يكون المؤمن صافيًا مع الله من كدرات النفس الأمارة بالسوء لتصل به إلى الفراسة فيرى بنور الله
انعقد الملتقى الفكري عقب صلاة التراويح بساحة مسجد مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه) في القاهرة، في الليلة الرابعة من رمضان، تحت عنوان "الصيام مدرسة للتربية الروحية"، والذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وسط أجواءٍ روحانية مفعمة بالإيمان. وجاء ذلك في إطار جهود وزارة الأوقاف لنشر الفكر الوسطي وتعزيز الوعي الديني خلال الشهر الفضيل، حاضر فيه الأستاذ الدكتور رمضان عبد الله الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، والأستاذ الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية.
وافتُتح اللقاء بتلاوة قرآنية مباركة تلاها القارئ الشيخ طه النعماني، وقدم للملتقى الإعلامي الأستاذ/ عمرو أحمد، المذيع بقناة النيل الثقافية، وبحضور الأستاذ الدكتور محمد عبدالرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ولفيفٍ من قيادات الوزارة ومديرية أوقاف القاهرة، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجمعٍ غفير من السادة الحضور.
وفي كلمته رحّب الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالسادة العلماء ضيوف ملتقى الفكر الإسلامي الذي يأتي برعاية كريمة من معالي الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والذي ينعقد بين دفتي الشريعة والحقيقة؛ بين الأزهر الشريف ومسجد مولانا الإمام الحسين -رضي الله عنه وأرضاه-.
وفي كلمته أكّد فضيلة الأستاذ الدكتور رمضان الصاوي أن الصيام مدرسة روحيّة، حيث لا تنفك العبادة عن الأخلاق؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فلا صلاة إلا بالانتهاء عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ "، والزكاة تكون بتطهير النفس وتزكيتها لقوله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا"، كما أنه لا صيام بأجر كامل إلا مع التقوى، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
مشيرًا إلى أن التقرّب إلى الله -عز وجل- يكون بالفرائض، حيث يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة -عز وجل-: "ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحَبَّ إِلَيَّ ممّا افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ، وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئن دعاني لأجيبنّه، ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدِي عن نفسِ المؤمنِ، يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مساءتَهُ"، مبينًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حذّر من سوء الخلق مع الصيام، حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فلَيْسَ للَّهِ حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرَابهُ"، كما بيّن فضيلته أن الصيام يسمو بالنفس مع الدعاء إلى الله -عز وجل-، حيث يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابُ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ"
وفي ختام كلمته توجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء أن يحفظ مصر التي جعل حرمتها من حرمة البيت الحرام، حيث يقول تعالى: "لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا....."، وقال سبحانه وتعالى: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ".
وفي كلمته أكّد فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الدايم الجندي، أن الصيام مدرسة للتربية الروحية، موضحًا أن هناك مسارات تأخذ بأيدينا إلى قلعة التوسط والاعتدال ما بين الروحية والمادية، فالروحية المجردة لا محل لها في الإسلام حيث تنتهي بصاحبها إلى الرهبانية المذمومة.
كما أشار فضيلته إلى أن أهم مسارات التوسط والاعتدال تبدأ بالتصفية القلبية، بأن يكون المؤمن صافيًا مع الله من كدرات النفس الأمارة بالسوء لتصل به إلى الفراسة ليرى بنور الله (عز وجل)، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْب".
كما أشار فضيلته إلى أن القلب الذي يتحلّى بالتصفية يتجلى فيه نور القرآن الكريم لأنه هُدىً، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: "ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ"، وقد فسر العلماء قوله تعالى: "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ"، قال قتادة: النور هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما أوضح فضيلته أن تلك النورانية نقلت حنين الجذع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى روحانية جعلت رسول الله يحتضنه ويمسح بيده الشريفة، حيث يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْلا أَنِّي احْتَضَنْتُهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، كما بيّن أن الروحانية قد جعلت الأنصار -رضي الله عنهم- يرِقّون عندما قال لهم نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "أفَلا تَرضَوْنَ يا مَعشَرَ الأنْصارِ، أنْ يَذهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعيرِ، وتَرجِعون برسولِ اللهِ في رِحالِكم؟ فبَكى القَومُ، حتى أخْضَلوا لِحاهُم، وقالوا: رَضِينا برسولِ اللهِ قَسْمًا وحَظًّا".
وفي ختام الملتقى قدّم الشيخ أحمد إبراهيم مقلد فقرةً من الابتهالات الدينية.