51 عاما على نصر أكتوبر.. أعظم لحظات الفخر في تاريخ الأمة العربية
51 عامًا مرت، ولا تزال حرب السادس من أكتوبر 1973، نبراسًا ينير الطريق نحو مستقبل مزدهر، إذ تعد تلك الحرب ملحمة بطولية توقف عندها كاتبو التاريخ، لما انطوت عليه صفحات تلك المعجزة العسكرية من بطولات مصرية متكاملة الأركان.
وستظل حرب أكتوبر المجيدة رمزًا خالدًا لقوة الإرادة المصرية وقدرتها على عبور كل المحن والتحديات والصعوبات، كما ستظل ذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة 1973 أعظم لحظات الفخر في تاريخ الأمة العربية.
مقدمات الحرب
في 28 سبتمبر 1970، توفي الرئيس جمال عبد الناصر، وانتُخب نائبه أنور السادات رئيسًا لمصر في 15 أكتوبر 1970، والذي عقد النية على دخول الحرب وأعلن ذلك في عدة مناسبات، منها إعلانه في 22 يونيو 1971 أن عام 1971 هو عام الحسم، وكلامه أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24 أكتوبر 1972 الذي أوضح فيه وجوب تجهيز القوات المسلحة لدخول الحرب.
في عام 1973، قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد اللجوء إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرتها الدولتان في حرب 1967، فقرر مجلس اتحاد الجمهوريات العربية في 10 يناير 1973 تعيين الفريق أول أحمد إسماعيل علي قائدًا عامًا للقوات الاتحادية، وخلال يومي 22 و23 أغسطس 1973 اجتمع القادة العسكريون السوريون برئاسة مصطفى طلاس وزير الدفاع مع القادة العسكريين المصريين برئاسة أحمد إسماعيل علي في الإسكندرية سرًا ليشكلوا معًا المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية المكون من 13 قائدًا، وذلك للبت في الموضوعات العسكرية المشتركة والاتفاق النهائي على موعد الحرب، واتفق في هذا الاجتماع على بدء الحرب في أكتوبر 1973، وخلال اجتماع السادات مع الأسد في دمشق يومي 28 و29 أغسطس اتفقا على أن يكون يوم 6 أكتوبر 1973 هو يوم بدء الحرب.
أسباب الحرب
- فرض إسرائيل سياسة الأمر الواقع على العرب وتكريس احتلالها للأراضي العربية.
-تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967 وإزالة آثار العدوان.
- إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم التي فُرِضَت على المنطقة في ظل سياسة الوفاق بين القوتين العظميين (أمريكا والاتحاد السوفييتي).
- ردّ كرامة الجندي المصري والعربي وتغيير النظرة للجيوش العربية بأنها لا تستطيع ولا تعرف أن تحارب.
- إنهاء حالة التفوق العسكري الإسرائيلي على العرب نتيجة لقيام الولايات المتحدة بإمداد إسرائيل بأحدث الأسلحة وفى التوقيتات التي تضمن لها التفوق الدائم .
-أصبح الموقف الأمريكي رهينة للسياسة الإسرائيلية خاصة بعد المذكرة التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل عام 1972 والتي تعهدت فيها أنها لن تتقدم بأي مبادرة سياسية في الشرق الأوسط قبل مناقشتها مع إسرائيل.
-كسر حدة التفوق الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي الناتج عن اتخاذه حواجز طبيعية كموانع بينه وبين الجيوش العربية عقب حرب 1967، إذ احتل مرتفعات الجولان السورية شمالًا ونهر الأردن شرقًا ووصل للضفة الشرقية لقناة السويس جنوبًا.
لماذا السادس من أكتوبر؟
وافق يوم السادس من أكتوبر في ذلك العام يوم "كيبور" (عيد الغفران) وهو أحد أعياد إسرائيل، وأعلنت مصر وسوريا الحرب على إسرائيل في هذا اليوم وفقًا لدراسة على ضوء الموقف العسكري للعدو والقوات المصرية، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية لقناة السويس من ناحية المد والجزر، وتمت دراسة كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، واشتملت الدراسة أيضًا جميع العطلات الرسمية في إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم أجازتهم الأسبوعية، إذ تكون القوات المعادية أقل استعدادًا للحرب، و تم دراسة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة في إسرائيل، ووُجِد أن لإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطي بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون، وكان يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد، أي إن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، وبالتالي يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتًا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطي، وتم الاتفاق على ساعة الصفر فى يوم 6 أكتوبر 1973 .
تم اختيار عام 73 بالتحديد لوصول معلومات تفصيلية إلى القيادة المصرية بأن إسرائيل وقعت اتفاقيات عن عقود التسليح وعن الأسلحة ونوعياتها التي سوف تصلها في العام التالي 1974، لذلك فإن الانتظار إلى ما بعد عام 73 سوف يعرض القوات المصرية ل مفاجآت قد تكلف القوات جهودًا وتكاليف أكثر .
التصديق على خطة الحرب
صدق الرئيس السادات على الخطة في يوم الأول من اكتوبر -الخامس من رمضان- وذلك وسط اجتماع استمر 10 ساعات للرئيس مع نحو 20 ضابطًا من قيادات القوات المسلحة.
واستطاعت القوات المصرية أن تعيد نوعًا من التوازن إلى جبهتها على مجموعة مستويات:
على مستوى التخطيط: بلغ مستوى التخطيط العلمي والعملي للمعركة مستوى ممتازًا ودقيقًا، إذ استطاعت القوات المصرية في الأيام الأولى للمعركة أن تحقق هدفًا استراتيجيًا لا يختلف عليه أحد، وهو كسر النظرية الأمنية الإسرائيلية، كما حقق الجيش المصري إلى جانب النصر الاستراتيجي انتصارًا آخر على مستوى العمل العسكري المباشر متمثلًا في عملية العبور التي اكتسحت مانعًا مائيًا ضخمًا في ساعات معدودة، ثم دخلت لعدة أيام في معارك بالمدرعات والطيران، وأمنت لنفسها عدة رؤوس كباري داخل سيناء وألحقت بالعدو خسائر وصلت إلى ربع طائراته وثلث دباباته تقريبًا في نحو أسبوع واحد من القتال.
على مستوى القرار: استطاع الرئيس السادات أن يثبت أن القيادة المصرية والعربية ليست واهنة، بل لديها الشجاعة على اتخاذ القرار فرغم المنحنيات الكثيرة التي مرّت بها عملية اتخاذ القرار ، فحينما جاءت اللحظة الحاسمة أعطى أمر القتال وأطلق شرارة الحرب.
على مستوى الجندي المصري: فجّرت الحرب والظروف التي نشبت فيها طاقة إنسانية لم يكن أحد يحسب لها حسابًا أو يخطر بباله أنها موجودة على هذه الدرجة من الاقتدار .
على المستوى العربي: أعاد نصر أكتوبر للشارع العربي والمصري ثقته في ذاته بعد أن كانت تجتاحه حالة من الإحباط الشديد إثر نكسة 1967 والتي رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية في الوطن العربي.
وأظهرت المواقف العربية خلال الحرب وعدًا بعصر عربي جديد يضع العرب على موضع يرضونه لأنفسهم، من توافق وتكامل يؤدي بهم إلى الصفوف الأولى، فإن تحالفًا واسعًا على الناحية العربية للمعركة قام وراء جبهة القتال، تمثل في عدة خطوط تساند بعضها بطريقة تستطيع تعويض جزء كبير من الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وكانت الجيوش العربية المقاتلة بشجاعة هي الخط الأول وكانت الجبهات العربية الداخلية التي تجلت إرادتها هي الخط الثاني، كما ظهر سلاح البترول للمرة الأولى بعد أن لوحت السعودية باحتمال قطع إمداداتها لأي دولة تقوم بمساعدة إسرائيل.
دخلت فكرة المفاوضات المباشرة للمرة الأولى في الصراع العربي الإسرائيلي بعد المفاوضات التي قامت عند الكيلو 101 التي أجراها وفدان عسكريان في الطريق بين القاهرة والسويس يوم 28 أكتوبر والمعارك لا تزال مستمرة وقادها من الجانب المصري اللواء محمد عبد الغني الجسمي، مدير العمليات في حرب السادس من أكتوبر وأحد أبرز أبطالها.
النتائج على المستوى الإسرائيلي
انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي على المستوي الاستراتيجي والتي تقوم على عدة مرتكزات، هي التفوق الكيفي أمام الكم العربي، وضعف عربي عام بسبب الخوف وحرب الأعصاب مما يؤدي إلى وهن على مستوى اتخاذ القرار .
أحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ القصير لدولة إسرائيل، وأدى ذلك بدوره إلى تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وتمزق العلاقات فيما بينها، وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات .
على مستوى الرأي العام، أدى انكسار النظرية الإسرائيلية إلى سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة على رأسها الجيش الإسرائيلي الذي كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول، وأيضًا سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التي كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل، كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل أصنام لدى الرأي العام الإسرائيلي، ومنها جولدا مائير وموشي ديان.
ووجدت إسرائيل نفسها مرغمة على الاستمرار في عملية التعبئة العامة لدعم خطوطها العسكرية، وكان ذلك يعنى أن عجلة الإنتاج الإسرائيلي في الزراعة والصناعة والخدمات توقفت أو أصبحت على وشك التوقف.
النتائج على المستوى العالمي
استطاعت مصر من خلال موقفها القوي في الحرب خلق رأى عام عالمي واضح مناهض للجبهة التي تساند إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقد عبر عن هذا الرأي الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت بومبيدو بقوله "نحن نعرف أن العرب هم الذين بدأوا القتال، ولكن من يستطيع أن يلوم طرفًا يقاتل لتحرير أرض احتلها أعداؤه".
حصلت مصر على مدد عسكري ضخم خلال أيام المعركة، إذ قررت القيادة السوفييتية تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات وأهدته 250 دبابة من طراز تي 62، كما بعث تيتو رئيس يوغوسلافيا في ذلك الوقت بلواء كامل من الدبابات وضعه تحت تصرف القيادة المصرية.