قِبلّة المعابد والمقاصير المصرية القديمة
الدكتور أحمد عوضتناقشت سلفاً- في الأسابيع الماضية- مع عدد من المهتمين بالشأن الأثري عن ظاهرة تعامد الشمس على المعابد والمقاصير المصرية القديمة, وقد هالني مع تلك النقاشات طرح سائد عند البعض القليل وهو الإعتقاد بأن جميع الأبنية وخاصة القديمة منها تواجهة مواطن شروق الشمس على مدار السنة, ومنها تنتفي أهمية ظاهرة تعامد الشمس على معابد مصر القديمة كافة كما تنتفي معها دلالات وتفسيرات تلك الظاهرة بناءً على ذلك الطرح, وهو ما يتناقض بدوره مع أساسيات علوم الفلك حيث أن المواقع السنوية للشمس المشرقة تتأرجح ما بين الإنقلابين الصيفي والشتوي بزاوية أفقية محدده لا هوى فيها أو جنوح, مما يعني أن الأبنية- القديمة أو الحديثة- التي تنحصر الزاوية الأفقية لمحورها الرئيسي داخل تلك الزاوية- زاوية الإنقلابين الصيفي والشتوي- هي الأبنية الوحيدة التي يحدث علىيها ظاهرة تعامد الشمس المشرقة دون غيرها, كما أن ذلك الطرح جافى الإطلاع على تصنيف المعابد والمقاصير المصرية القديمة من حيث توجيه محاورها الرئيسية وقياسات زوايا إنحرافها الأفقية, حيث تخضع معابد مصر القديمة ومقاصيرها إلى نظام معماري محدد يؤول إلى مرجعية لاهوتية مُلزمة وذلك في تحديد كافة ملامحها البنائية سواء كان توجيه قبلتها أو تشييد سائر عناصرها المعمارية, وكنت قد تدارست وجهة تلك المعابد والمقاصير في رسالة الماجستير الخاصة بي بعنوان "إنعكاس مفهوم ديناميكية الرمز المصري القديم على التصميم الداخلي لقاعات العرض المتحفية" في الصفحات من 98 إلى 109, وهي دراسة تتلخص عن ربط المعاني الرمزية في كل من الفنون والعمارة المصرية القيدمة مع رمزية النشاط الإنساني للمصري القديم مع حركة الكون من حوله وذلك وفقاً للمفاهيم اللاهوتية المصرية القديمة آنذاك, وعليها تم وضع مفهوم جديد يناقش مسببات توجيه قبلة المعابد والمقاصير المصرية القديمة وفقاً للدلالات الدينية السائدة إبانها.
وللوقوف على صحيح تلك المسببات والدلالات وجب بداية أن نتناقش حول أحدث الدراسات العلمية عن وجهة المعابد المصرية القديمة والتي تمت دراساتها من قِبل البعثة "المصرية- الأسبانية", حيث وثقّت دراسة تلك البعثة قياسات ميول المحور الرئيسي لعدد 330 معبد ومقصورة مصرية قديمة, وعليها إستخلصت دراستها نتائج ذلك التوثيق بتقسيم وجهة المعابد المصرية القديمة محل الدراسة على سبع مجموعات رئيسية طبقاً لوجهتهم سواء كانت فلكية أو طبوغرافية, فأول تلك المجموعات هي مجموعة "الشرق" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو آتجاه الشرق الحقيقي حيث "إعتدالي الشمس-Equinoctial Sun " وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره ما بين (1-o) و (0,75+ o), والمجموعة الثانية هي مجموعة "الإنقلاب الشمسي" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو موقع شروق الشمس إبان "الإنقلاب الشتوي- Winter Solstic" وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره مابين (24,75- o) و(24- o), أما المجموعة الثالثة فهي مجموعة "الشمس الموسمية- Seasonal Sun" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو موقع شروق الشمس في مواسم سنوية بعينها يغلب عليها التنوع المناخي والطابع الزراعي وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره ما بين (11,5- o) و(11,5+ o), والمجموعة الرابعة هي مجموعة نجم "الشعرى اليماني- Sirius" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو موقع الشروق الإحتراقي للنجم وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره ما بين (17,75- o) و(17- o), أما المجموعة الخامسة فهي مجموعة النجم "سهيل- Canopus" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو مواطن حركة النجم وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره ما بين (53,75- o) و(53- o), والمجموعة السادسة وهي مجموعة "الشمال- Northern" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو نجوم الشمال وذلك بإنحراف أفقي مقداره ما بين (61,75- o) و(61,75 o), وأخيراً المجموعة السابعة وهي مجموعة "الآتجاهات الجغرافية الثانوية- Mid Quarter Cardinal" والتي يتجه المحور الرئيسي لمعابدها ومقاصيرها نحو آتجاهات الجنوب الشرقي, الشمال الشرقي, الجنوب الغربي, الشمال الغربي, طبقاً لعلاقاتها مع مجري نهر "النيل" وذلك بإنحراف أفقي عن محور الشرق الحقيقي مقداره ما بين (39,75- o) و(40 o).
ولكن ما أراه هنا أن تقسيم المجموعات على النحو السابق ذكره قد إتبع منهج التسجيل والتوثيق أكثر منه منهج التحليل والتفسير, ومن ثم جاءت النتائج على محمل العموم دون تفصيل دقيق للعلاقات المتباينة بين الغرض الديني للمعابد والمقاصير من جهة وبين المجموعة التي ينتمون إليها من جهة آخرى, ولذلك تجاهل ذلك التقسيم التغيير في مفاهيم العقيدة الدينية إبان الفترات المختلفة التي بنيت فيها تلك المعابد والمقاصير, وعلى هذا لم يعبء أيضاً ذلك التقسيم بالتباين الجلّي بين قياسات الزوايا الأفقية للمحاور الرئيسية الخاصة بالمعابد والمقاصير أفراد المجموعة الواحدة بل وغض الطرف عنها دون إبداء أسباب لذلك, كما أن ذلك التقسيم بتنويعه لمسببات توجيه المعابد والمقاصير- ما بين فلكية وطبوغرافية- قد تجاهل وحدة النمط وأسس الصياغة الجماعية في الفن والعمارة المصرية القديمة بإعتبارهما محدد مقدس لا حياد عنه, وأخيراً يجدر الإشارة إلى تجاهل ذلك التقسيم المفهوم اللاهوتي والرمزي لعمارة المعابد والمقاصير بإعتبارهم البرزخ السماوي الذي يكفل الوصال المادي بين العالم السفلي والعالم السماوي, ومن ثم يعدوا كهياكل بنائية تمثل المعبر الوحيد الذي يسلكه قرص الشمس ومعبوده المقدس في رحلاته الليلة والنهارية ما بين تلكما العالمين برفقة أتباعه من النجوم والمعبودات وأرواح الملوك والأبرار.
وإضافة إلى ما سبق بيانه يظهر في مجموعات ذلك التقسيم بعض النقاط التي تشوب فرضيته العلمية التي رُسّخ عليها, فبصفة عامة لم تكن الإتجاهات الطبوغرافية عند المصري القديم ذات أهمية قصوى ليتوجه إليها بمعابده ويتجاهل على أثرها الكيانات السماوية لمعبوداته المقدسين أمثال الشمس والقمر والنجوم, وقد كان الآتجاه الأكثر قداسة هو الجنوب حيث مصدر التجدد والحياة متمثلاً في المحيط الأزلي "نون" ومنابع نهر "النيل" طبقاً لمفاهيم العقيدة المصرية القديمة, وقد آنحصر إتجاه الشمال كموطن للفردوس السماوي إبان الدولة القديمة, أما آتجاهي الشرق والغرب فقد إرتبطا بدورة قرص الشمس وعليها جاء تفضيل الغرب على الشرق, كما ورد من النصوص ما يحذر فيه المتوفى من مخاطر آتجاه الشرق, وجاء أيضاً أن الشرق كآتجاه يرادف آتجاه اليسار بالنسبة للمصري القديم والذي يكنيّ بدوره عن الموت, ومن ثم تعد المجموعة الأولى من التقسيم سالف الذكر تجافي مفاهيم المصري القديم إذا ما إقترنت بالشرق كآتجاه جغرافي, كما أن إقترن تلك المجموعة بآتجاه الشرق كموقع لمشرق الشمس إبان الإعتدالين فقط- بإنحراف زاوي لا يتعدى الدرجة القوسية الواحدة- لايعد تفسير في حد ذاته كمسبب لتوجيه معابد ومقاصير تلك المجموعة نحو مشرق شمس الإعتدالين, وهنا تجدر الإشارة أن المصري القديم لم يذكر صراحة قداسته لمشرق شمس الإعتدالين ولكن أورد ما يفيد ذلك في نصوص كتبه الدينية المختلفة, حيث ورد فيها أن الشمس تستغرق آثنى عشرة ساعة في رحلتها النهارية وآثنى عشرة ساعة آخرى في رحلتها الليلية, وهو ما يتوافق بدوره مع رحلة الشمس إبان الإعتدالين, ولكن هذا التفسير لم تذكره المجموعة السابق ذكرها كمسبب ديني بل أكتفت بإعتبارها أن مشرق شمس الإعتدالين في حد ذاته له صفة القداسة عند المصري القديم كموقع فلكي فقط, وعلى هذا لم تتعرض تلك المجموعة إلى دراسة الإختلاف الجلّي بين قياسات زاويتي المحور الرئيسي لمعبد "الوادي" والمعبد الجنائزي المقترنا بذات الهرم الملكي, بل وتغاضت الطرف عن تقديم تفسير منطقي لهذا الإختلاف رغم أن معبد "الوادي" والمعبد الجنائزي يعدا وحدة بنائية ولاهوتية واحدة لآي هرم ملكي, فعلى سبيل المثال جاء معبد "الوادي" الملحق بهرم الملك "نوسر رع"- الأسرة الخامسة- في "أبوصير" بزاوية أفقية لمحوره الرئيسي مقدارها (95 o), أما المعبد الجنائزي الملحق بذات الهرم فقد جاء بزاوية أفقية لمحوره الرئيسي مقدارها (90,75 o) آي أن الفارق بينهما يبلغ مقدارها (4,25 o), كما تكرر ذلك الفارق أيضاً بين معبد "الوادي" لهرم الملك "بيبي الثاني"- الأسرة السادسة- في "سقارة" ومعبده الجنائزي لذات الهرم, فالزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبد "الوادي" مقدارها (85,5 o), والزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبده الجنائزي بذات الهرم مقدارها (90 o) آي أن الفارق بينهما مقداره (4,5 o), وهو ما يضع معبدي "الوادي" لتلكما المثلين ضمن معابد المجموعة الثالثة في تصنيف الدراسة السالف ذكرها- التي تنحصر ما بين (11,5- o) و(11,5+ o)- ويضع معبديهما الجنائزين ضمن معابد المجموعة الأولى, وعليها يكون لكل معبد منهما مفهوم مغاير عن الآخر وهو ما يجافي المفهوم الديني الجنائزي الذي ورد آنذاك في "متون الأهرام" وإنعكس بدوره على بناء أهرامات الدولة القديمة ومعابدها الملحقة, ومن ثم خرج مفهوم إرتباط معابد المجموعة الأولى للتقسيم السالف ذكره بمشرق شمس الإعتدالين عن وحدة البناء العام إذا ما إقتصر تفسير وجهتها على تقديس مشرق شمس الإعتدالين دون تكامل بين قرائنها من معابد آخرى وذلك تحت ظلل مفهوم ديني موحد.
أما المجموعة الثانية من تصنيف الدراسة السالف ذكرها- دراسة البعثة "المصرية الأسبانية"- فيظهر فيها التباين الجلّي بين قياسات الزوايا الأفقية للمحاور الرئيسية الخاصة بالمعابد والمقاصير الأعضاء في تلك المجموعة, حيث تتباين مقدار الزوايا الأفقية للمحاور الرئيسية لبعض تلك المعابد والمقاصير ما بين زيادة تارة ونقصان تارة آخرى عن مقدار الزاوية الأفقية لموقع شروق الشمس إبان الإنقلاب الشتوي, وعلى هذا فإن دخول تلك المعابد والمقاصير- التي تخالف مقدار زوايا محاورها الرئيسية مقدار زاوية شروق شمس الإنقلاب الشتوي- ضمن أعضاء المجموعة الثانية يعد هجراً للحقيقة العلمية والبصرية وهي أن تلك المعابد والمقاصير لن تواجه موقع شروق الشمس في الإنقلاب الشتوي أبداً, ومنها تنتفي صفاتها وينتفي معها الفرض العلمي لتلك المجموعة, فعلى سبيل المثال يواجهة المحور الرئيسي لمعبد "الكرنك" موقع شروق الشمس إبان الإنقلاب الشتوي في 21 "ديسمبر" لأن الزاوية الأفقية لذلك المحور الرئيسي مقدارها هو (116,75 o) وهو ما يماثل الزاوية الأفقية لمشرق شمس الإنقلاب الشتوي على موقع المعبد بمدينة "الأقصر", وعلى هذا فهو يعد مثال نموذجي للمعابد الأعضاء بالمجموعة الثانية سابقة الذكر, أما معبد "الدير البحري" الواقع أيضاً في مدينة "الأقصر" والذي جاء ضمن أعضاء ذات المجموعة فيواجه موقع شروق الشمس في يومين من كل عام هما 5 "ديسمبر" و6 "يناير", آي أنه لا يواجه موقع شروق الشمس في يوم 21 "ديسمبر" حيث الإنقلاب الشتوي كما جاء في نتائج دراسة البعثة "المصرية الأسبانية", وينتج ذلك الإختلاف من حقيقة واقعة وهي أن الزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبد "الدير البحري" مقدارها (115,5 o), آي أن مقدارها يقل عن الزاوية الأفقية لمشرق شمس الإنقلاب الشتوي بمقدار (1,25 o), وبالتالي لا يتحقق فيه شرط إنضمامه إلى المجموعة الثانية السالف ذكرها رغم أن نتائج دراسة البعثة "المصرية الأسبانية" أقرت إنضمامه إلى تلك المجموعة الثانية, وهنا يجدر الإشارة إلى المعابد التي يزيد قياس الزاوية الأفقية لمحورها الرئيسي عن مقدار زاوية شروق شمس الإنقلاب الشتوي والتي إنضمت قسراً إلى ذات المجموعة الثانية السابق ذكرها ضمن ما جاء من نتائج دراسة البعثة "المصرية الأسبانية", فنعرض مثالاُ لها وهو المعبد الجنائزي- معبد "ملايين السنين"- للملك "منتوحتب الثالث"-الأسر الحادية عشرة- بموقع "القرنة" على البر الغربي لمدينة "الأقصر", حيث أن قياس الزاوية الأفقية لمحوره الرئيسي مقداره (121 o) بزيادة مقدارها (4,25 o) عن مقدار الزاوية الأفقية لمشرق شمس الإنقلاب الشتوي, ومن ثم ينتفي عنه شرط إنضمامه إلى معابد المجموعة الثانية السالف ذكرها, وأخيراً نجد أن تفسير توجيه المعابد التي تقع ضمن المجموعة الثانية وذلك بأنها تقترن بعيد مقدس للمعبود "رع" في يوم الإنقلاب الشتوي, لا يوجد ما يدعمه بآي دليل نصي أو أثري, حيث أن أغلب الأعياد الدينية في مصر القديمة قد تم تسجيلها في قوائم الأعياد على جدران المعابد الكبرى, كما أن العيد اليوبيلي للمعبود "رع" والذي يعد لحظة ذروة الأعياد يوافق أول أيام العام المصري القديم- الموافق 19 "يوليو" في التقويم "اليولياني"- وذلك إلى جانب أن موعد الإنقلاب الشتوي ذاته يتغيير بتعاقب السنين نتيجة ظاهرة "السبق- Precession"- الآتي ذكرها لاحقاً- مما ينتفي معه فرضية توجيه تلك المجموعة الثانية نحو مشرق شمس الإنقلاب الشتوي برمتها.
أما المجموعة الثالثة من نتئج دراسة البعثة "المصرية الأسبانية" السالف ذكرها والتي تتوجه المحاور الرئيسية لمعابدها ومقاصيرها نحو موقع شروق الشمس في مواسم بعينها سواء كانت مناخية أو زراعية طبقاً للتفسير الذي أقرته دراسة البعثة "المصرية الأسبانية", فهنا تجدر الإشارة إلى أن ما ورد عن توافق فصل بداية "الشتاء" في التقويم المصري القديم مع يوم 22 "أكتوبر" في التقويم "الجريجوري" وبداية فصل "الصيف" في التقويم المصري القديم مع يوم 20 "فبراير" في التقويم "الجريجوري" في فترة حكم الملك "آخناتون" وهو أمر يجافي كافة الحقائق العلمية والأثرية الثابتة, فالتقويم المصري القديم المتعلق بكافة شئون المعابد هو تقويم شمسي ثابت يبدأ بفصل "الفيضان" مع شروق النجم "الشعرى اليمانية" الموافق يوم 19 "يوليو" في التقويم "اليولياني" ويستمر لمدة أربعة أشهر لكل شهر منهم 30 يوم, ثم يبدأ بعدها فصل "الشتاء" موافقاً يوم 16 "نوفمبر" ويستمر لمدة أربعة أشهر لكل شهر منهم 30 يوم أيضاً, ومنها يبدأ فصل "الصيف" موافقاً يوم 16 "مارس", وذلك إلى جانب وجود فارق الأيام العشرة بين التقويم "الجريجوري" والتقويم"اليولياني" والذي سبق وأن أشرنا إليه, أما عن تفسير توجيه محاور المعابد والمقاصير نحو مشرق الشمس في أيام بعينها بالمواسم الزراعية, فنتعرض هنا إلى مثال واضح وهو "معبد أبوسمبل" حيث يتم تفسير توجيه المحور الرئيسي للمعبد نحو مشرق الشمس في يوم 21 "أكتوبر" ويوم 21 "فبراير" من كل عام وذلك بأن تلكما اليومين هما يومي زراعة وحصاد القمح في مصر القديمة, وهنا يجدر الإشارة إلى أن القمح قد إرتبط رمزياً بالمعبود "أوزير" وطقوسه الجنائزية والذي أقترن بدوره كمعبود للخصب والنماء مع القمر وتقلب أطواره الشهرية, وقد كان المصريون القدماء يحتفلون بعيد الحصاد إحتفالاً رائعاً فيقوم الفلاحون بقطع سنابل القمح وجمعها ودرسه, وكانوا يقدمون وعاء به ماء تعلوه حزمة قمح إلى المعبودة "رننوتت" قرباناً لها, وقد ذكرت النصوص المصرية القديمة أن عيدي الحصاد والمعبودة "رننوتت" كان يحتفل بهما في أول شهور فصل الصيف والذي يبدأ كما أشارنا موافقاً يوم 16 "مارس" في التقويم "اليولياني", حيث إرتبط عيد معبودة الحصاد "رننوتت" بالقمر وكذلك عيد "نمو المحاصيل" الذي كان يحتفل به في أول شهور فصل الشتاء الذي يبدأ موافقاً يوم 16 "نوفمبر" في التقويم "اليولياني", وعلى هذا يستنتج أن الأعياد الزراعية في مصر القديمة قد إرتبطت بدورة القمر لا دورة الشمس, وهو ما يتناقض تماماً مع تفسير إقتران توجيه معبد "أبوسمبل" نحو مشرق يومين ذوا صلة بمواسم زراعة القمح في مصر القديمة, وبالإضافة إلى ماسبق يتناقض ذلك التفسير مع الغرض الديني الذي أقام الملك "رعمسيس الثاني" من أجله معبده في "أبو سمبل", حيث شيد ذلك المعبد تخليداً لذكرى إنتصاراته العسكرية وتكريساً للمعبودين "آمون" و"رع" وهما كمعبودين ليس لهما علاقة مباشرة بالقمح ودورة زراعته وحصاده, وأخيراً إذا ما إفترضنا وجود علاقة بين معبد "أبوسمبل" ومواسم زراعة القمح على النحو السالف ذكره فهذا يوجب العموم على كافة الزراعات المقدسة في مصر القديمة مثل العنب بإعتباره ذو صلة وثيقة بالمعبود "حور" وعليها وجب تأصيل تلك العلاقة اللاهوتية بمعبده في "إدفو" على نحو مماثل لعلاقة معبد "أبوسمبل" بالقمح, كما توجد علاقة أيضاً تربط العنب ونبيذه بالمعبودة "حتحور" وعليها وجب تأصيلها بمعبدها في "دندرة" على النحو السابق ذكره, وهو بالقطع شرط لم يتحقق لأن محوري تلكما المعبدين لا يواجها آي موقع شروق للشمس على مدار العام.
أما عن المجموعة الرابعة التي تتجه معابدها ومقاصيرها نحو مشرق النجم "الشعرى اليماني-Sirius", فقد أغفلت تلك المجموعة دراسة الإنحراف في موقع شروق النجم "الشعرى اليماني" على مدار تاريخ مصر القديمة, وهو ما قد جاء في نتائج دراسة حديثة حيث أوضحت أن مشرق نجم "الشعرى اليمانية" إبان عام 3000 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (92,3 o), وإبان عام 2500 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (95,8 o), وإبان عام 2000 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (100,3 o), وإبان عام 1500 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (104,8 o), وإبان عام 1000 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (108,2 o), وإبان عام 500 ق.م كان على زاوية أفقية مقدارها (112,9 o), وإبان مولد السيد المسيح كان على زاوية أفقية مقدارها (117,3 o), وإبان عام 500 م كان على زاوية أفقية مقدارها (123 o), وجدير بالذكر أن هذه النتائج قد راعت ظاهرة "السبق- Precession" وهي ظاهرة إنتقال نقطتي الإعتدالين, آي النقطتين على دائرة البروج اللتان يتقاطع فيهما دائرة الإستواء السماوي ودائرة البروج, آي نقطتي الربيع والخريف, حيث يرجع هذا الإنتقال إلى تغيير في وضع كل من الإستواء السماوي والبروج بالنسبة إلى النجوم الثوابت, بمعنى أننا يمكن إعتبار الأرض في دورانها مثل المغزل وتبعاً للقوانين المعروفة في الطبيعة فإن محور المغزل لا يتبع عزم الدوران المؤثر, وإنما يحيد عنه بزاوية يمينيه, وينشأ عن ذلك إنتقال في نقطتي الربيع والخريف, كما أن محور الأرض يصنع مخروط "السبق- Precession"- آي حركة محور الأرض كمغزل- غير منتظم آي متموج وذلك نتيجة لما يعرف فلكياً بظاهرة "الترنح", وعلى هذا تؤدي ظاهرة "السبق" إلى تغيير في إحداثيات الجرم السماوي- آي جرم سماوي- ولذلك فإن التعيين الدقيق لمكان جرم سماوي يستلزم تدارك هذا التغيير, فنتيجة لتجول الأرض يتجول أيضاً قطبي السماء, آي نقط تلاقي إمتداد محور الأرض مع القبة السماوية, ومن هنا فإن البعد القطبي للنجم يتغير مع الزمن, فمثلاً يقل البعد القطبي لنجم القطبية "ألفا الدب الأصغر" والذي يبلغ الآن حوالي (1 o) وستكون قيمته في عام 2100م فقط (28) دقيقة آي (0,4667 o), ثم يزداد بعد ذلك ثانية, وعلى هذا ينتج أيضاً من تلك الظاهرة الترنح الجلّي في الزاوية الأفقية لموقع شروق نجم "الشعرى اليماني-Sirius" على مدار السنين المتعاقبة كما أوضحنا سلفاً, ومن ثم نجد أن أغلب معابد ومقاصير المجموعة الرابعة لم يتوجه فعلياً نحو موقع شروق نجم "الشعرى اليمانية" إذا ما تمت مطابقة الزاوية الأفقية الصحيحة لشروق ذلك النجم في الفترة الزمنية التي تم فيها بناء تلك المعابد والمقاصير وذلك طبقاً للنتائج البحثية الحديثة السالف ذكرها, كما نجد أن بعض المعابد والمقاصير التي شُيدت في نفس الفترة الزمنية تتباين في قياسات الزوايا الأفقية لمحاورها الرئيسية رغم إفتراض أنهم جميعاً متوجهين نحو مشرق نجم "الشعرى اليمانية-Sirius" طبقاً لنتائج البعثة "المصرية الأسبانية", فعلى سبيل المثال نجد أن معبد "كلابشة" ومعبد "ماميزي أغسطس" الملحق بمعبد "دندرة" قد تم بناءهما في الفترة ذاتها- الفترة الرومانية- ولكن يوجد فرق بين قياسات الزاويتين الأفقيتين لمحوريهما الرئيسيين مقداره (4 o), حيث أن الزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبد "كلابشة" مقدارها (104,5 o) والزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبد "ماميزي أغسطس" مقداره (108,5 o), وهو ما ينفي بالمنطق توجههما نحو قبلة واحدة, كما يؤكد أن كليهما لايتوجها فعلياً نحو مشرق نجم "الشعرى اليمانية" إبان فترة بنائهما, حيث يشرق نجم الشعرى اليمانية" مابين عام 500 ق.م وعام 500 م على زاوية أفقية تتراوح ما بين (112,9 o) و(123 o) وذلك طبقاً للدراسة الحديثة السالف ذكرها, وأخيراً يجدر الإشارة إلى أن أغلب معابد ومقاصير تلك المجموعة الرابعة يغلب على معبوداتها الطابع الشمسي طبقاً للمفاهيم الدينية للمصري القديم, فعلى سبيل المثال تم تكريس معبد "كلابشة" للمعبود "مندليس" وهو صورة من صور المعبود الشمسي "حور", وأيضاً كرست معابد "الماميزي" بصفة عامة للمعبود الشمسي "حور" والمعبودة الشمسية "حتحور" بداية من الدولة الحديثة, كما أن الزاويا الأفقية للمحاور الرئيسية الخاصة بتلك المعابد والمقاصير- التي يغلب على معبوداتها الطابع الشمسي- تقع بالفعل في نطاق حركة الشمس السنوية, ومن ثم فإنها تواجه بشكل مؤكد مشارق الشمس في أيام بعينها وهو ما يتوافق بدوره مع الصفات الشمسية لمعبوداتها المختلفة, كما ينفي عنها توافقها مع نجم "الشعرى اليماني" الذي يُعّد تجسيداً لاهوتياً للمعبودة "إيسه" طبقاً للمفاهيم الدينية بمصر القديمة, ومن الملفت هنا للنظر أنه بسند تلك العلاقة اللاهوتية بين نجم "الشعرى اليماني" والمعبودة "إيسه", ونظراً إلى أن معبد "فيله" هو من أهم المعابد التي كُرست للمعبودة "إيسه", فمن المفترض أن يكون توجيه معبد "فيله" نحو موقع شروق نجم "الشعرى اليمانية" إذا ما إتبعنا نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" التي أقرّت أن موطن ذلك الشروق وجهة لمعابد ومقاصير المجموعة الرابعة السالف ذكرها ضمن نتائج تلك البعثة, ولكننا نجد أن تلك النتائج- نتائج البعثة "المصرية الأسبانية"- تضع معبد "فيلة" ضمن معابد المجموعة السادسة التي تتوجه نحو النجوم الشمالية وذلك طبقاً للفرضية العلمية التي إستندت عليها نتائج تلك البعثة في تقسيم وجهة المعابد والمقاصير على سبع مجموعات كما ذكرنا سلفاً, وذلك لأن قياس الزاوية الأفقية للمحور الرئيسي لمعبد "فيله" مقدارها (201,5 o) آي أنه يبعد يميناً- مع إتجاه عقارب الساعة- عن آتجاه الشمال الحقيقي بزاوية أفقية مقدارها (21,5 o) وهو ما يخضعه داخل نطاق تلك المجموعة السادسة, وبالتالي نجد أن فرضية تصنيف المجموعة الرابعة على النحو الذي أقرته نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" تجافي الصواب.
أما المجموعة الخامسة التي تواجه مواطن النجم "سهيل" الذي رجحت نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" إرتباطه بالمعبود "أوزير", فيجدر هنا الإشارة أن النجم الذي إرتبط بالمعبود "أوزير" طبقاً للنصوص المصرية القديمة هو نجم "الجوزاء" ولم تذكر تلك النصوص آي علاقة لاهوتية تربط بين المعبود "أوزير" بالنجم "سهيل" بالمعبود "أوزير", كما لم يرد آي ذكر لآي روابط مباشرة أو غير مباشرة بينهما في آي من المناظر الفلكية بالأثار المصرية القديمة- مثل سقف مقبرة "سنموت" أو دائرة البروج بمعبد "دندرة"- رغم أهمية المظهر الفلكي للمعبود "أوزير" والذي ورد بداية من "متون الأهرام" بالدولة القديمة ونقش بكثرة على توابيت الدولة الوسطى والأسقف الفلكية بالدولة الحديثة والبطلمية, وإذا ما فرضنا جدلاً رغبة المصري القديم في ربط بعض من معابده ومقاصيره بالمظهر النجمي للمعبود "أوزير" فكان الأجدر على تمثيل ذلك المظهر هو نجم "الجوزاء" دون غيره من نجوم السماء نظراً لإرتباطه الشديد بالمعبود "أوزير" في كافة المذاهب الدينية المصرية القديمة, كما أن ذلك الإرتباط جاء متوافقاً مع الإرتباط الفلكي بين نجم "الجوزاء" ونجم "الشعرى اليماني" ومن ثم ربط اللاهوت المصري القديم ما بين تلكما النجمين ومعبوديه المقدسين "أوزير" و"إيسه", وعلى هذا يجدر للمصري القديم ربط معابده ومقاصير بنجم "الجوزاء" على غرار محاولته ربط بعض معابده بنجم "الشعرى اليمانية" كما أفترضت نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" بتحديدها للمجموعة الرابعة في تصنيفها للمجموعات السابق ذكرها.
أما المجموعة السادسة التي تتوجه نحو النجوم الشمالية طبقاً لنتائج البعثة "المصرية الأسبانية", فإن النطاق الواسع الذي ضمته تلك المجموعة بين قياسات معابدها ومقاصيرها رغم التباين الجلّي بين قياسات الزوايا الأفقية لمحاورها الرئيسية, يكفل تفنيد صفة هذه المجموعة بأنها تتجه إلى نجوم بعينها تقع في شمال القبة السماوية, حيث ضمت تلك المجموعة على سبيل المثال معبد "إدفو" ومقدار الزاوية الأفقية لمحوره الرئيسي (181,75 o), ومقصورة "أحمس" الملحقة بمعبد "أبيدوس" ومقدار الزاوية الأفقية لمحورها الرئيسي (26,75 o), ومعبد "دندرة" ومقدار الزاوية الأفقية لمحوره الرئيسي (18 o), ويلاحظ في تلكم المعابد الثلاثة قرب مواقع من بعضهم البعض والتقارب بين تواريخ بناؤهم, وهو ما ينفي بدوره وجود آي إنحراف في مواقع النجوم الشمالية نتيجة إختلاف مواقع تلكم المعابد أو نتيجة إختلاف الفترات الزمنية التي تم بناؤهم فيها, كما أن المصري القديم قد حدد نجوم بعينها في السماء الشمالية والتي إستحقت تقديسه لها, وهذه النجوم إقترنت بالمفاهيم الدينية الجنائزية خاصة في الدولة القديمة, فقد جسدت تلك النجوم الشمالية طاقم المركب النهاري للمعبود الشمسي "رع", كما أعتبرها المصري القديم تجسيداً سماوياً لأرواح الموتى من الملوك والأبرار حيث موطن الفردوس والجنان السماوية, وعلى ذلك يتجلى عدم وجود علاقة لاهوتية بين هذه النجوم وبعض من معابد ومقاصير المجموعة السادسة السابق ذكرها وهو ما ينفي صفة هذه المجموعة أيضاً.
أما المجموعة السابعة والتي تتجه معابدها ومقاصيرها نحو الآتجاهات الجغرافية الفرعية- الجنوب الشرقي, الشمال الشرقي, الجنوب الغربي, الشمال الغربي- فيلاحظ أن أعضاء تلك المجموعة يتجه محورهم الرئيسي نحو آتجاه "الجنوب الشرقي", وهنا تجدر الإشارة إلى أن نتائج البعثة "المصرية الأسابنية" لم تقدم تفسيراً موضوعياً لذلك التوجيه, حيث رجحت تلك النتائج أن توجيه معابد ومقاصير المجموعة الأخيرة قد جاء في محاولة المصري القديم ربط تلك المعابد والمقاصير بعلاقة هندسية سواء تعامداً أو توازياً مع ضفة نهر "النيل", ولكن ذلك التفسير لم يراعي آي سند علمي في ذلك الصدد وذلك لعدم وجود آي دراسة علمية لهيئة ضفتي نهر "النيل" وما جرى عليها من تغيرات على مدار تاريخ مصر القديمة, فعلى سبيل المثال بلغ عدد فروع دلتا نهر "النيل" سته فروع إبان عصور مصر القديمة المختلفة آي بزيادة أربع فروع لدلتا النهر عن ما يوجد في وقتنا الحاضر, كما أن المصري القديم لم يهتم بتلك العلاقات الهندسية دون مردود لاهوتي نفعي ورمزي وهو مالم تتعرض له نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" حيث أختزلت تفسيرها في مجرد وجود تلك العلاقة الهندسية دون بيان ذلك المردود اللاهوتي لتلك العلاقة, وأخيراً نجد معبد للملك "رعمسيس الثاني" وهو عضو بالمجموعة السابعة يقع بالقرب من مدينة "الأسكندرية" بعيداً عن مجرى نهر "النيل", ومن ثم نجد أن حجة ومسببات تصنيف تلك المجموعة السابعة لا تتطبق على ذلك المعبد ومنها ينتفي عن تلك المجموعة صفتها كمجموعة تتجه معابدها ومقاصيرها نحو علاقة هندسية ما مع مجرى نهر "النيل". ومما سبق يتبين دحض نتائج البعثة "المصرية الأسبانية" بشكل قطعي سواء على مستوى التصنيف والتقسيم أو على مستوى الحجج والدلائل.
أما عن دراستنا لوجهة المعابد المصرية القديمة, فبداية يستدل من أسم المعبد في اللغة المصرية القديمة "بر نتر" بمعنى "بيت المعبود" أنه هو بيت المعبود ومسكنه, وقد أخذ المعبد المصري القديم منذ نشأته بإستقامة الإتجاهات في محوره الرئيسي دون إنحناءات بحيث إذا أستقبل الزائر مدخل المعبد إنكشفت له على طول المدى أستار محرابه الأخير على إستقامة شبه كاملة, وفي عصر الدولة الحديثة أستقرت جميع أجزاء المعبد الرئيسية على محور واحد بحيث يقسمها طريق فخم يبدأ من مدخل المعبد حتى قدس الأقداس, وكان هو الطريق الذي يتخذه الملك إلى مقصورة المعبود, والذي يتخذه تمثال المعبود على أكتاف الكهنة إلى خارج المعبد لإستقبال الملك أو لزيارة بعض المعبودات الآخرى في معابدها, وبذلك كان يمثل طريق المواكب الدينية, ومن ثم أتضحت خصائص المقابلة بين أجزاء المعبد في عصر الدولة الحديثة بكل وضوح, فالطريق المتسع الذي يتقدمه والممتد من ضفة النيل حتى مدخله, تقوم على جانبيه تماثيل متقابلة في صفين, ويحدد الصفان المواكب الدينية ويساعد على إبراز محور المعبد ويضيفان على الطريق مهابة وحماية رمزية, وينتهي سالك الطريق إلى المعبد فيواجه مسلة عن يمين وآخرى عن يسار, وتمثالاً ملكياً ضخماً إلى اليمين وآخر إلى اليسار وصرحاً شاهقاً عن اليمين وصرحاً آخر إلى اليسار ويحتضن الصرحان مدخل المعبد, فيحددانه ويحميانه ثم يتلو ذلك فناء فيتضمن صفة أعمدة عن يمين وآخر عن يسار وهكذا حتى نهاية المعبد, وقد يتجه المعبد المصري إلى نقطة فلكية محددة أو إلى مبنى محدد أو إلى الجهات الأصلية الأربعة أو مرتبط بملمح طبيعي هام, هذا وقد دعم بوضوح المحور الشمالي الجنوبي في عمارة المعبد المصري وذلك من خلال تمثيل بعض العناصر الزخرفية, حيث صور بعض الأحيان نبات البردي رمز مصر السفلى "الشمال" وزهرة اللوتس رمز مصر العليا "الجنوب" على الجدران الشمالية والجنوبية للمعبد المصري, كذلك كثيراً ما يشاهد الملك مرتدياً تاج مصر السفلى الأحمر على الجدران الشمالية وتاج مصر العليا الأبيض على الجدران الجنوبية, وبما أن المحور العرضي للمعبد كان هو المحور الشمالي الجنوبي فإن المحور الطولي للعبد المصري كان هو المحور الشرقي الغربي, وقد وجد هذا المحور تدعيماً له في النصوص المصرية القديمة حيث أشارت نصوص معبد مدينة "هابو" إلى أن المعبد المصري ينبغي أن يبقى ويظل مثل الجبل الشرقي "باخو" والجبل الغربي "مانو", آي الجبال التي إرتبطت بشروق وغروب الشمس وهو ما يدعم إرتباط المعبد بالمحور الشرقي الغربي الديني, كذلك رأى "A.Sssmann" أن توجه محور المعبد من الناحية النظرية إلى الآتجاه الشرقي الغربي يرجع إلى الرغبة في مصاحبة معبود الشمس في رحلته اليومية من أجل الصعود والإرتقاء إلى السماء, كما أكد "R.Wilkinson" أن برجي الصرح اللذان يحيطان بمدخل المعبد ويشيران إلى قمتي الأفق اللتان تشرق بينهما الشمس وتغرب ويرمزان كذلك إلى المعبودتين "إيسة" و"نبت حت" اللتان ترفعان الشمس التي تشرق في الأفق, قد دعما المحور الشرقي الغربي للمعبد المصري, ومن ثم أتصلت المعابد التي شيدت في الصحراء الغربية من معابد الوادي والمعابد الجنائزية ومعابد الشمس جميعها من الناحية الرمزية بإتجاه الشرق حيث شروق الشمس, وذلك رغبة من أصحاب المعبد في أن يتجه بمدخله ناحية الشمس عند شروقها إما تعبداً لربها أو عن إعتقاد بأن أرواح الملوك سوف تصحبه في تجواله في سماء الدنيا نهاراً وسماء الاخرة ليلاً, ولما كان من المفروض أن تظهر معه في الشرق كل صباح ويجب أن تنفتح أبواب معبدها ناحية الشرق أيضاً لتستقبلها كلما جاءت إلى زيارة معبدها حين تقديم القرابين فيه بأسمها كل صباح, وبعد أن تكون قد أتمت رحلتها اليلية مع معبود الشمس, كذلك فإن المصري القديم أعتبر الطريق المركزي الرئيسي للمعبد هو طريق الشمس وهذا ما سوف يؤثر في فكر المعماري المصري وبخاصة فيما يتعلق بنوع الأعمدة وأماكن تواجدها في المعبد مما يظهر جلياً على تيجان هذه الأعمدة سواء كانت متفتحة أو تيجان مغلقة, حيث كانت أهم وظيفة للمعبد تعتمد على عملية التحويل بين عالم الأحياء والعالم الآخر, وهنا تجدر الإشارة إلى أن المناظر المصورة في المعبد والنصوص الخاصة بها فقد كانت على صلة وثيقة من حيث الأتجاه بالمكان الذي يشغله المعبود في المعبد, فإتجاه الصور الخاصة بالملك والمعبود والمصورة على الأسطح أو الجدران الجانبية للمعبد تظهر بوضوح أن صورة المعبود تتجه نحو الخارج بعيداً عن قدس الأقداس بمعبده بينما تتجه صوره الملك نحو الداخل آي داخل المعبد, ولعل هذا التواجد للمعبود على الجدران كان يؤثر بصورة ملموسة في الأتجاهات على الأعمدة المتاخمة للجدران وذلك لتركيز الآنتباه نحو المحور الطولي للمعبد والذي ينشأ من الموقع المركزي والمحوري لقدس الأقداس.
وعلى ذلك أستخلصنا- بدراسة عدد 330 معبد ومقصورة مصرية قديمة- أن كافة المعابد والمقاصير المصرية القديمة تواجه قرص الشمس سواء بصورة فلكية مباشرة ذات صلة بالأطوار الشمسية الثلاثة المقدسة في العقيدة المصرية القديمة وهم أطوار شمس الشروق وشمس الظهيرة وشمس الغروب, أو بصورة رمزية ذات صلّة بالموقع اللاهوتي لشروق الشمس في العقيدة المصرية القديمة, وهو ما سنتعرض له فيما يلي:
أولاً)مجموعة العمائر المصرية القديمة التي تواجه قرص الشمس بصورة فلكية مباشرة :
وهي تلك العمائر الدينية التي تتجه محاورها الرئيسية بصورة مباشرة نحو مواقع الأطوار الشمسية الثلاثة المقدسة في العقيدة المصرية القديمة- أطوار شمس الشروق والظهيرة والغروب- حيث تتوافق الدلالات اللاهوتية لتلك الأطوار الشمسية الثلاث وما يتبعها من تنوّع في موقعها على مدار السنة مع ما تمثله تلك العمائر الدينية من رمزية لاهوتية سواء كانت أهراماً أو معابداً أو مقاصيراً أو مقابر ملكيةً, كما تتوافق تلك الأطوار الشمسية مع مواقيت إقامة شعائر الخدمة اليومية في تلك العمائر الدينية- خدمة الصباح والظهيرة والمساء- سواء كانت تلك الشعائر تقام في معابد ومقاصير مستقلة بذاتها أو في معابد مقترنة بهرم ما أو مقبرة ملكية, ومن ثم تنحصر قياسات الزاويا الأفقية للمحاور الرئيسية لتلك العمائر داخل مقدار الزاوية الأفقية لحركة الشمس السنوية ما بين الإنقلاب الشتوي والإنقلاب الصيفي وذلك في أواقات الشروق أو الظهيرة أو الغروب فقط, بمعنى أن المحاور الرئيسية لتلك العمائر تقع على إستقامة واحدة مع مسار أشعة الضوء الساقط من قرص الشمس إبان شروقها أو ظهيرتها أو غروبها وذلك في أيام بعينها قد تم تحديدها سلفاً وتقديسها من قِبل المصري القديم, آي أن أشعة الشمس تتعامد على أركان تلك العمائر في مواقيت شروق أو ظهيرة أو غروب أيام محددة بحيث تتوافق تلك الأيام مع موعد إقامة بعض الإحتفالات الدينية والأعياد المقدسة في العقيدة المصرية القديمة وعليها يتوافق المردود اللاهوتي لتلك الأعياد مع المكانة اللاهوتية لتلك العمائر, وهو ما يتوافق بدوره مع الدلالات اللاهوتية للأطوار الشمسية الثلاثة إبان تلك الأعياد المقدسة, ولذلك يظهر التنوع الملحوظ في مقدار الزاوية الأفقية للمحاور الرئيسية لتلك العمائر ذات التوجيه الفلكي المباشر نحو مواقع الأطوار الشمسية الثلاث, فكل بناء منها يتوجه محوره الرئيسي نحو موقع ما للطور الشمسي إبان يوم عيد معين يتوافق بدوره مع المكانة اللاهوتية لذلك البناء, كما يمكن أن يشترك أكثر من بناء في التوجيه نحو ذات الطور الشمسي إبان يوم عيد بعينه إذا ما أتفقت مكانتهم اللاهوتية مع المردود اللاهوتي لذلك العيد, وعلى هذا تتجه عُصبّة أولى من تلك العمائر بمحاورها الرئيسية نحو موقع شمس الشروق التي تمثل هيئتها طبقاً للعقيدة المصرية القديمة الهيئة السماوية للمعبود "خبرى" والدالة بدورها على قوى البعث والميلاد في أيام أعياد دينية بعينها تتوافق مع ذلك المفهوم اللاهوتي, وتواجه عُصبّة ثانية بمحاورها الرئيسية موقع شمس الظهيرة التي تمثل هيئتها طبقاً للعقيدة المصرية القديمة الهيئة السماوية للمعبود "رع حور آختي" والدالة بدورها على فتوة الشباب وإنتصار الشرعية الملكية في أيام أعياد دينية بعينها تتوافق مع ذلك المفهوم اللاهوتي, وتواجه عُصبّة ثالثة من مجموعة تلك العمائر موقع شمس الغروب التي تمثل هيئتها طبقاً للعقيدة المصرية القديمة الهيئة السماوية للمعبود "آتوم" والدالة على بداية رحلة التجدد وكرّة دورة الحياة والبعث في أيام أعياد دينية بعينها تتوافق مع ذلك المفهوم اللاهوتي.- شكل رقم (1), شكل رقم (2), شكل رقم (3), شكل رقم (4), شكل رقم (5), شكل رقم (6), شكل رقم (7)
شكل رقم(1) تعامد الشمس معبد كلابشة 14-2-2015
شكل رقم (2) تعامد الشمس على معبد الملكة "حتشبسوت" بالدير البحري 6-1-2015
شكل رقم (3) تعامد الشمس على ماميزي معبد "دندره" 4-2-2015
شكل رقم (4) تعامد الشمس على معبد قصر غويطة 13-3-2015
شكل رقم (5) تعامد الشمس على معبد دير الحجر9- 3- 2015
شكل رقم (6) تعامد الشمس على ماميزي معبد ادفو 20-2-2015
شكل رقم (7) تعامد الشمس على معبد هيبس 6-9-2014
ثانياً)مجموعة العمائر المصرية القديمة التي تواجه مشرق قرص الشمس بصورة رمزية :
وتنقسم مجموعة العمائر ذات التوجيه الرمزي نحو مشرق الشمس إلى أربعة عُصّب رئيسية, العُصبّة الأولى تضُمّ تلك العمائر الدينية التي تتجه محاورها الرئيسية نحو مواقع جغرافية بعينها تقع شمال وجنوب الجانب الشرقي من البحر الأحمر خارج حدود قطرّي مصر القديمة, حيث جاء ذكر تلك المواقع الجغرافية في النصوص الدينية للمصري القديم بإعتبارها أراضيٍ مقدسة تشرق منها الشمس يومياً بصورة رمزية وذلك دون التقييد بتتطابق تلك المواقع مع مواقع شروق الشمس على مدار حركتها السنوية بصورة فعلية أم لا, بمعنى أن المحاور الرئيسية لتلك العمائر تتجه بصورة رمزية نحو موقع شروق الشمس طبقاً للرؤية الدينية للمصري القديم دون التقييد بالموقع الحقيقي لشروق الشمس ما بين إنقلابها الشتوي وإنقلابها الصيفي, وعلى ذلك تتوافق ما تمثله تلك العمائر من رمزية لاهوتية- سواء كانت أهراماً أو معابداً أو مقاصيراً أو مقابر ملكيةً- مع تلك المواقع المقدسة وما يتبعها من علاقة لاهوتية بشمس الشروق التي تمثل هيئتها طبقاً للعقيدة المصرية القديمة الهيئة السماوية للمعبود "خبرى" والدالة بدورها على قوى البعث والميلاد, ومن ثم تتجه بعض من تلك العمائر بمحاورها الرئيسية نحو جنوب الجزيرة العربية ويتجه البعض الآخر من تلك العمائر بمحاورها الرئيسية نحو الأراضي السورية, حيث ورد في بعض النصوص المصرية القديمة أن الشمس تشرق يومياً من بقاع موقعين مقدسيين أولهما يقع في الجنوب الشرقي من مصر القديمة في جنوب الجزيرة العربية وثانيهما يقع شمال شرق مصر القديمة في الأراضي السورية, وأن تلكما الموقعين قد ورد ذكرهما في النصوص الدينية للمصري القديم بأسم "تا نتر" آي "أرض الآله", وقد أطلقت تسمية "أرض الآله" على تلك المناطق جنوب وشرق وشمال شرق مصر القديمة إمتداداً من بلاد "بونت" جنوباً حتى "فلسطين و"سوريا" وما يليهما شمالاً, وهنا تجدر الإشارة أن منطقة بلاد "بونت" تشمل كلا من الساحلين الأفريقي والآسيوي, آي ما يعرف بأسم "الصومال" و"آريتريا" الحالية من ناحية, وجنوب شبة الجزيرة العربية من ناحية آخرى, وهو ما يؤكده النص المدرج على جدران معبد "الدير البحري" الذي يتحدث حرفياً عن "بونت" قائلاً أنها تقع على ضفتي الخضراء العظمى المترامية المدي- المقصود هنا بالخضراء هو البحر الأحمر- آي أن "بونت" تقع جنوب البحر الأحمر حيث تشرف على الساحل الأفريقي وكذلك على شاطئ الجزيرة العربية, أما عن العُصبّة الثانية من مجموعة العمائر ذات التوجيه الرمزي فتتجه أيضاً بمحاورها الرئيسية نحو موقع "أرض الآله" في جنوب الجزيرة العربية ولكن على هدّي مشرق النجم "سهيل- Canopus" كمحدد لموقع تلك البقاع المقدسة وذلك نظراً لشروقه في الجهة الشرقية الجنوبية وهذا النجم يعتبر ألمع نجوم السماء بعد نجم "الشعرى اليماني- Sirius", وعليها يكون الآتجاه الغربي المقابل لموقع شروق النجم "سهيل" هو موقع غروب قرص الشمس وذلك كمقابل لاهوتي لموقع ولادته بالنسبة لمجري نهر "النيل" بإعتبار مجراه "الشمالي-الجنوبي" يجسد مركز الكون طبقاً للمفاهيم الدينية المصرية القديمة, أما العُصبّة الثالثة من تلك العمائر ذات التوجيه الرمزي فتتجه بمحاورها الرئيسية نحو الآتجاه الجنوب شرقي أو الآتجاه الجنوب غربي من صفحة السماء, حيث موقع الولادة اليومية لقرص الشمس المشرق وخروجه من رحم معبودة السماء "نوت" في الآتجاه الجنوب شرقي وذلك من وجهة النظر اللاهوتية للمصري القديم وعليها يكون الآتجاه الجنوب غربي هو موقع غروب قرص الشمس كمقابل لاهوتي لموقع ولادته بالنسبة لمجري نهر "النيل" بإعتبار مجراه "الشمالي- الجنوبي" يجسد مركز الكون, ويرجع سند ذلك البيان إلى بعض النصوص التي حددت مكان رأس "نوت" جهة الشمال الغربي ونصفها الأسفل جهة الجنوب الشرقي, إذن فإن المعبود الشمسي "رع" يولد من الجهة الجنوبية الشرقية بالسماء, وقد تم ذكر تلك النصوص في متن كتاب المعبودة "نوت" بمعبد "أوزيريون" الخاص بالملك "سيتي الأول" في "أبيدوس" بأن الشمس تشرق من الآتجاه الجنوب شرقي من السماء خلف بلاد "بونت", كما جاء في النصوص أن بلاد "بونت" تقع في مكان ما بالجنوب الشرقي, وهي المنطقة المضيئة حيث تشرق الشمس ويغيب القمر, وبذا تتشابه "بونت" بشكل أو بأخر مع "أرض الآله", أما العُصبّة الرابعة من تلك العمائر ذات التوجيه الرمزي فتتجه بمحاورها نحو مواقع معابد بعينها ذات مكانة لاهوتية بالغة سواء كانت معابد مخصصة للعبادة اليومية مثل المعبدين الرئيسيين في مدينتيّ "إيونو" و"طيبة" وذلك بوصفهما مراكز الخلق الأول والمشرق اليومي للشمس طبقاً للعقيدة المصرية القديمة المتبعة في كليهما, أو معابد مخصصة للطقوس الجنائزية وذلك بتشيدهم