د. محمد ابراهيم بسيونى.. خطورة استعمال المضادات الحيوية في علاج الامراض ومنها فيروس كورونا
مازالت المضادات الحيوية تستخدم بشكل روتيني من المصريين وفي وردهات بعض المستشفيات عندنا. جاء في أحدث دراسة تناولت هذا الموضوع ونشرت في منتصف شهر يناير من العام الحالي في «مجلة جمعية الأمراض المعدية للأطفال الأمريكية Journal of the Pediatric Infectious Diseases Society». دراسة تعكس الفجوة الكبيرة على مستوى العالم بين التوصيات الطبية العلمية والتنفيذ العملي في الممارسة على أرض الواقع. من المهم أن نعرف أن كلمة «المضاد الحيوي antibiotics» لا تعني أنه مضاد لأي عدوى، ولكنه فقط مضاد للعدوى الميكروبية. والحقيقة أن الوضع الطبي في كثير من الأحيان ربما يدفع الأطباء لاستخدام المضادات الحيوية خشية حدوث عدوى بكتيرية مع العدوى الفيروسية مما يزيد الحالة الصحية سوءا، خصوصا في ردهة الطوارئ.
يعض التهاب الشعب الهوائية الصغيرة أو القصيبات الهوائية (Bronchiolitis) من أهم الأسباب التي تؤدي إلى حجز الأطفال في المستشفيات في السنة الأولى من العمر، ويتسبب فيها فيروس يسمى «الفيروس الخلوي التنفسي respiratory syncytial virus» وتكثر الإصابة به أثناء الشتاء. ومعظم الأطفال يصابون بهذه العدوى قبل بلوغهم العام الثالث، وفي الأغلب تكون الإصابة طفيفة ويتم علاجها بالمنزل، ولكن في بعض الأوقات تتطور الإصابة وتستلزم الحجز في المستشفى. وتسبب الإصابة في احتقانا في الشعيبات والتهابا وتجمعا للمخاط، مما يؤدي إلى صعوبة التنفس، وبالتالي تحدث سرعة في عدد مرات التنفس لمحاولة الجسم الحصول على أكبر قدر من الأكسجين. ونظرا لارتفاع درجة الحرارة وتدهور حالة الطفل الصحية وعدم توافر الأكسجين الكافي، يحتاج كثير من الأطفال إلى الحجز في المستشفيات.
هناك بعض الأسباب التي تدفع بالأطباء أيضا إلى استخدام المضادات الحيوية، مثل في بعض الأحيان التي تسبق فيها الإصابة بالتهاب القصيبات بعدوى بكتيرية حدثت بالفعل ويكون من الضروري علاجها، وهو الأمر الذي أشارت إليه «الأكاديمية الأميركية» في توصياتها؛ حيث حذرت من استخدام المضادات الحيوية في علاج التهاب الشعيبات الهوائية ما لم يكن حاصلا بسبب البكتيريا.
وقام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل البيانات الواردة من أقسام الطوارئ بالمستشفيات الأميركية في الفترة من عام 2007 وحتى عام 2015، وتبين أن 25 في المائة من الأطفال المصابين بالتهاب القصيبات الهوائية ما دون العامين، قد تم وصف مضاد حيوي لهم، وهو المعدل نفسه الذي كانت تتم به كتابة الوصفات الطبية للأطفال ما قبل توصيات «الأكاديمية» التي صدرت في عام 2006. وأظهرت النتائج أن 70 في المائة من الأطفال الذين تلقوا مضادات حيوية بالفعل لم يكن لديهم أي عدوى بكتيرية موثقة سواء عن طريق التحليل، أي عند إجراء تحليل عدّ كامل لكريات الدم ورصد ارتفاع في كريات الدم البيضاء نتيجة لإنتاج عدد كبير منها ليقوم الجسم بمقاومة البكتيريا، أو الأشعة، حيث يمكن إظهار التهاب في الشعب أو الحويصلات الهوائية مصاحب لالتهاب القصيبات، أو تاريخ مرضي لعدوى الجهاز التنفسي العلوي قبل الإصابة (في الأغلب يكون احتقان الحلق والتهاب الجيوب الأنفية بسبب بكتيري.
وتعد هذه النسبة كبيرة جدا، خصوصا إذا عرفنا أن الأعراض الجانبية للمضادات الحيوية تتسبب سنويا في نحو 70 ألف زيارة لغرفة الطوارئ في مستشفيات الولايات المتحدة فقط؛ تبعا لدراسة سابقة، فضلا عن تكوين سلالات من البكتيريا مقاومة لمعظم عائلات المضادات الحيوية، مما يهدد بكارثة صحية مستقبلية نتيجة لفقدان فاعلية العلاج. وأوضحت الدراسة أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يجب أن يتوقف نهائيا في الإصابات الفيروسية حتى إذا طالت فترة العلاج بدلا من التحسن السريع مقابل تكوين مقاومة لتلك المضادات. كما أن الأعراض الجانبية الناتجة عن المضادات الحيوية لا تقل خطورة عن العدوى نفسها. وأشارت الدراسة إلى أن وصف المضادات الحيوية كان يتم بشكل أقل في المستشفيات التعليمية والأكاديمية والتي تلتزم بالمعايير العلمية، بينما تم وصف المضادات الحيوية بشكل أكبر في المستشفيات الأخرى. وأشارت الدراسة إلى أن معظم الحالات تستغرق وقتا يصل إلى أسبوعين من العلاج في المنزل، ولا داعي للقلق ما دام التشخيص عدوى فيروسية، ولا داعي لاستخدام المضاد الحيوي. ويمكن اتباع بعض الإجراءات البسيطة التي تحسن من حالة الطفل، مثل الاستعانة بخوافض الحرارة في حالة الارتفاع لدرجة الحرارة، وأيضا يمكن حمل الطفل باستمرار؛ حيث إن الوضع الرأسي يساعد على التنفس بشكل أفضل، ويجب إمداد الطفل بالسوائل الكافية حتى يتم تجنب الجفاف الذي ربما ينتج من القيء، ويمكن أيضا استخدام محلول الملح للأنف الموجود على شكل قطرات تباع في الصيدليات ويخفف الاحتقان بشكل سريع وآمن في الوقت نفسه، وكذلك يجب الإقلاع عن التدخين في المنزل إذا كان أحد الأبوين مدخنا، ولا يجب الإسراع في الذهاب لقسم الطوارئ إلا إذا حدث انخفاض واضح في مستوى الأكسجين في الدم، أي عندما يصبح الطفل غير قادر على التنفس بشكل طبيعي، ويكون لون الجلد أقرب إلى اللون الأزرق، أو حدثت صعوبة في التنفس التي ربما تأخذ أشكالا عدة، مثل تسارع عدد مرات التنفس، أو صعوبة في الحديث، أو في البكاء، وكذلك ارتفاع في درجة الحرارة لا يستجيب للخوافض العادية.
د. محمد ابراهيم بسيوني عميد طب المنيا السابق