أحمد الخميسي يكتب: من غزة والضفة إلى الشرق الأوسط الجديد


قامت اسرائيل منذ أن وقعت اتفاقية الهدنة مع غزة في 19 يناير بخرق الاتفاقية في مطلع فبراير، أي بعد عشرة أيام تقريبا، ثم واصلت ومازالت عدوانها البربري على غزة، بل وأضافت إلى ذلك توسيع نطاق عملياتها في الضفة الغربية مع توجيه الضربات إلى مواقع سورية ولبنانية في الوقت نفسه. ونسمع الآن كل يوم عن استشهاد نحو خمسمئة فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال في القصف الوحشي وتدمير عمارات سكنية بأكملها في ظل التجويع والعطش وهدم المستشفيات. ومفهم أن تزداد إسرائيل توحشا وأن توغل في دماء الشعب الفلسطيني بعد أن خرجت من معادلة القوة العربية العراق وسوريا وليبيا بتدمير تلك الدول مع تمزيق السودان ولبنان، وبذلك بدا للكيان وسادته في واشنطن أن الساحة فارغة لشرق أوسط جديد حتى فاجأهم طوفان 7 أكتوبر غير المتوقع. وفي كتاب " إسرائيل الطريق إلى الكارثة " يقول مؤلفه الاسرائيلي آرتيوم كيربيتشينوكا في ترجمة د. حبيب فوعاني : " أظهرت أحداث 7 أكتوبر 2023 حدود إمكانات الدولة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي، وذلك عندما نجح بضع مئات من مقاتلي "حماس" في اختراق منظومة المنشآت الدفاعية الإسرائيلية المقامة حول قطاع غزة، وكانت حصيلة الهجوم واحدة من أكبر هزائم القوات الإسرائيلية في تاريخها، حيث قُتل بضع مئات من الجنود المحتميين وراء التحصينات الخرسانية والدبابات المسلحة، كما جرى لأول مرة في التاريخ أسر ضباط أركان من الجيش الإسرائيلي". وقد أججت عملية السابع من أكتوبر وحشية الكيان في لحظة بدا له فيها أن الأرض ممهدة لإقامة شرقهم الأوسط الذي يريدونه، إلا أن 7 أكتوبر لم تكن السبب الرئيسي في التوحش الذي لا يعرف حدودا، أما سر التوحش الأول والحقيقي فإنه كامن في طبيعة الكيان الصهيوني بصفته قاعدة عسكرية، وهذه القاعدة لن تغير من وظيفتها أو طبيعتها العدوانية، فقد خلقت لهدف محدد هو اخضاع المنطقة العربية بأكملها، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يصرح الرئيس الأمريكي جون بايدن في مجلس الشيوخ منتصف عام 1973 بقوله : " لو لم توجد إسرائيل لتعين على أمريكا ايجادها". هذا بالضبط سبب ظهور الكيان خدمة لأهداف المخططات الاستعمارية، أما الأساطير الدينية واليهودية فكلها غطاء يداري الحقيقة، وتتضح هشاشة الأكاذيب الدينية تلك إذا علمنا أن وفدا من الصهاينة زار غينيا - قبل وعد بلفور- ليدرس إن كانت تصلح قاعدة استعمارية ثم عاد الوفد وأعلن أن الحياة هناك مستحيلة، فانتقل مشروع القاعدة الاستعمارية إلى فلسطين. من ناحية أخرى كان زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين قد أعلن في مايو 1934 عن إقامة " بيروبيجان" جمهورية ذاتية الحكم لليهود في إطار الدولة السوفيتية، لكن تلك المنطقة كانت في أقصى شرق البلاد تحتاج إلى عمل وتعمير فلم يتجه إليها يهود روسيا وفضلوا البقاء في دفء العواصم حيث الامتيازات. إذن ليست مسألة اقامة وطن قومي لليهود هي السبب في وجودهم في فلسطين، ولا هي السبب في التوحش البربري، لكنه دور القاعدة الاستعمارية أن تضرب، وتضرب، وهو دور لا يمكن تغييره ، كما لا يمكن اقناع الأفعى بالكف عن لدغ الآخرين، لأن اللدغ وظيفتها وحياتها.