كرم جبر يكتب: جراحة جريئة فى قلب القاهرة !


من الأخبار السعيدة قيام الحكومة بتنفيذ خطة شاملة لتطوير منطقة العتبة، فقد ذهبت الى هذا المكان قبل شهر رمضان وكانت جولة أشبه بالمغامرة القاسية ، سيرا على الأقدام من جراج الأوبرا حتى الرويعى، وسط الميدان الكبير الذى تحول الى كتلة ملتصقة من البشر والباعة الجائلين وكل أنواع الفوضى، والناس يتحركون فى طوابير عبر ممرات ضيقة .
أشفقت على من لديه الجرأة لاتخاذ القرار بفض الاشتباك فى هذه المنطقة التى أصبحت مثل حقل ألغام كبير، وتستحق الحكومة الاشادة للقيام بإخلاء شوارع الجوهرى، يوسف نجيب، والعسيلى من الباعة الجائلين، ونقلهم مؤقتًا إلى جراج العتبة، لحين الانتهاء من أعمال التطوير، واستعادة المظهر الحضارى وتسهيل حركة المواطنين.
وأتمنى أن يسير العمل بسرعة كبيرة لتنفيذ خطة التطوير وتحقيق التوازن بين حقوق الباعة الجائلين وأصحاب المحلات التجارية، والحفاظ على الطابع التاريخى للمنطقة، وتوفير بيئة آمنة ومنظمة للمتسوقين والسائحين ، وإعادة المنطقة الى ما كانت عليه.
اقرأ فى الكتاب وصفا لهذه المنطقة زمان وفى قلبها حديقة الأزبكية، وفيها المسرح الكوميدى ودار الأوبرا، وتم تشجيرها وتزيينها وإضاءتها، لتقام فيها الاحتفالات الرسمية والشعبية وحفلات كبار المطربين، وتعزف فيها فرق موسيقى الشرطة والجيش.
أنشأها الخديوى إسماعيل ــ الذى ظلمناه ــ
وكان يسعى إلى تحويل القاهرة إلى «باريس الشرق»، و استعان بمهندسين فرنسيين لتصميم الحديقة على الطراز الأوروبى، فكانت تتميز بالممرات المتعرجة، والمساحات الخضراء الشاسعة، والبحيرات الصناعية التى أضفت عليها طابعًا ساحرًاً واحتوت الحديقة على مجموعة نادرة من النباتات والزهور المستوردة من أوروبا وأفريقيا وآسيا، مما جعلها أشبه بحديقة نباتية عالمية.
وكانت هناك بحيرات صناعية تتوسط الحديقة، وعليها جسور خشبية أنيقة، مما أضفى عليها طابعًا شاعريًا وهادئًا، تم تزويدها بإضاءة حديثة تعتمد على المصابيح الغازية، مما جعلها مزارًا ليليًا رائعًا .
زمان كانت كوكب الشرق أم كلثوم وكبار المطربين المصريين والعرب يسعدون المصريين بحفلاتهم فى حديقة الازبكية ، فضلا اقامة مختلف الاحتفالات الفنية والثقافية، وبعد حريق القاهرة عام ١٩٥٢تم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه، وقسمت حديقة الأزبكية هى الأخرى، وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واختراقها شارع ٢٦ يوليو، فقسمها إلى قسمين.
باريس الفرنسية لا تزال شابة والفرنسيون يعضون بالنواجذ على تراثهم العمرانى، ويعيدون أى مبنى آيل للسقوط إلى ما كان عليه بشكله القديم و ملامحه وتفصيلاته.. وباريس الشرق «القاهرة» ابتدعت مبانى أشبه بعلب الكبريت بدلاً من كل بناية رائعة آيلة للسقوط، والشواهد الحية كثيرة، ونراها فى ميدان العتبة بوضوح ، فأمام المطافى والبريد بالطراز القديم عمارة قبيحة أشبه بألواح الصفيح وكتل الاسمنت المرصوصة فوق بعضها.
سنوات طويلة الإهمال والفوضى والتسيب والفساد جعلت قلب القاهرة يئن من الآلام والأوجاع، فاختفى الجمال وحل محله القبح وأصبحت فى أمس الحاجة لمشرط جراح يزيل الأورام والتشوهات وينقذ ما يمكن إنقاذه.
نقلا عن اخبار اليوم