الصباح العربي
الخميس، 19 سبتمبر 2024 02:20 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

كرم جبر يكتب: ما أحوجنا لمثل هذا الإمام العظيم!

الصباح العربي

منذ سنوات طويلة شاهدت مسلسلا عظيما في رمضان عن الإمام «الليث بن سعد» توفى عام 791م عن عمر يناهز 78 سنة، وأتذكر عبارة قالها لفقهاء الجمود والتخلف فى عصره، الذين حرموا دراسة اللغات الأجنبية بحجة أن اللغة العربية هى «لغة أهل الجنة»، فرد عليهم وهى أيضا «لغة أهل النار» وأبطل حجتهم.

كتبت عن الإمام الليث عدة مرات، كفقيه مصرى أصيل تنساب فتاويه مثل عذوبة مياه النيل، فتنبت فى الأرض خضرة وورودا بعيدا عن الفتن والتشدد والجمود، والحاجة إلى إحياء تراثه وموروثه من الباحثين والدارسين.

وأتمنى أن يعيد التليفزيون إذاعة المسلسل، أو أن يتم إنتاج مسلسل جديد بحجم إمامنا العظيم، فقد كان علمه قمة فى الوسطية والاستنارة، ويشع تسامحا وتقاربا ومحبة، وحباه الله بالرزق الوفير الذى كان ينفق منه على الفقراء، منفتحًا على الثقافات العربية والمصرية القديمة، متقنًا لغة الإسلام العربية واليونانية واللاتينية، فاشتق من الإسلام معانى تخاطب القلوب وتقرب الأرواح.

وصار أحد عظماء الأئمة المصريين وتحول المسجد الكبير «عمرو بن العاص» الذى اتخذه مقرا إلى منارة للثراء العقلى والتنوع الفكري، وقال عنه عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه «الأئمة التسعة»: «لا يعرف الواحد كيف يندثر أثر رجل كهذا له من المكانة ما جعلته مقصدًا للعامة والخاصة والصفوة والملوك، والغريب أنه ما إن تأتى سيرة هذا الرجل إلا وأحيط بهالة من التفخيم والإجلال والإعجاب».

وأكسبته مرائى الجمال فى الريف المصرى صفاء العقل والذوق والنفس، فكانت الفتاوى التى أصدرها مشبعة بجمال الحياة والمياه والخضرة وحب الناس وتفتحت عيناه منذ وعى الحياة على انسياب النهر، وروعة الحقول والبساتين والحدائق، وامتلأت رئته الصغيرة بعبق الأزهار، فنشأ يحب الجمال.

وذات مرة أمر أحد ولاة مصر بهدم الكنائس، فما كان من الإمام الليث بن سعد بأن أرسل إلى الخليفة طالبًا عزل الوالى لأنه مدع ومخالف روح الإسلام، فعزله الخليفة بجريمته، وأشار على الوالى الجديد أن يعيد ما تم هدمه من كنائس.

وواجه حربًا ضارية من أئمة الجمود والتخلف، ولم يعجب منهجه خلفاء بنى أمية، فأثاروا قضية أنه مصرى وقلبوا عليه، بالرغم منه حاز لقب «سيد الفقهاء»، وسار على دربه الإمام الشافعى عندما جاء إلى مصر.

ولم ينل الليث ما يستحقه بقدر علمه ورجاحة عقله وجرأة فتاويه، لأن تلاميذه لم يحفظوا أثره ولم يدونوا علمه، تاركين ذلك للتجاهل والنسيان، ولو تحقق ذلك لوجدنا مخزونًا من الأفكار النبيلة، التى تدحض ما نعانيه من فتاوى التطرف.

هؤلاء العظماء ينشرون المحبة والسلام بين الناس، ويقدسون القيم التى تصون الحياة، وتخرج فتاويه معجونة بأصالة مصر واحتوائها لجميع الديانات السماوية، تحت مظلة التسامح والعيش الآمن.

نقلا عن اخبار اليوم

كرم جبر يكتب ما أحوجنا لمثل هذا الإمام العظيم!

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq